عاجل

المعاهدات والاتفاقيات الدولية

الدستور هو القانون الوضعي الأعلى في الدولة ، ويُسمي بالقانون الأساسي ، لأنه يضع الأسس التي تقوم عليها الدولة ، وهو مصدر جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية . والدستور يسمو على القانون العادي فضلاً عن اللوائح ، ويترتب علي مبدأ سمو الدستور عدم تعارض القوانين واللوائح مع أحكام الدستور . وإذا تأملنا المرتبة القانونية للمعاهدات والاتفاقيات الدولية في بعض الدساتير نجد أن الدستور الفرنسي نص في المادة الخامسة والخمسين علي أن : " يكون للمعاهدات أو الاتفاقات التي يتم التصديق أو الموافقة عليها قانوناً منذ نشرها قوة تفوق القوانين شريطة أن يُطبق الطرف الأخر هذا الاتفاق أو هذه المعاهدة . بينما نص الدستور الأمريكي في الفقرة الثانية من المادة السادسة علي أن : " هذا الدستور ، وقوانين الولايات المتحدة التي تصدر تبعاً له ، وجميع المعاهدات المعقودة أو التي تُعقد تحت سلطة الولايات المتحدة تكون القانون الأعلى للبلاد ، ويكون القضاة في جميع الولايات مُلزمين بها ، ولا يُعتد بأي نص في دستور أو قوانين أية ولاية يكون مُخالفاً لذلك. أما الدستور المصري الصادر عام 2012 فنص في مادته الخامسة والأربعين بعد المائة علي أن : " يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية ، ويبرم المعاهدات ، ويصدق عليها بعد موافقة مجلسي النواب والشورى . وتكون لها قوة القانون بعد التصديق عليها ونشرها وفقاً للأوضاع المقررة . وتجب موافقة المجلسين بأغلبية ثلثي أعضائهما على معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة . ولا يجوز إقرار أي معاهدة تخالف أحكام الدستور". وهو نفس المستوي الوارد بمشروع دستور 1954 مادة 108 ، ودستور 1956 مادة 143 ، ودستور 1958 مادة 56 ، ودستور 1964 مادة 125 ، ودستور 1971 مادة 151 ، وكذا الاعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011 بند 6 من المادة 56 ، والاعلان الدستوري الصادر في 8 يوليه 2013 بند 3 من المادة 24 . علماً بأن دستوري 1923 ، 1930 لم يحددا في المادة 46 مرتبة قانونية صريحة . وهذا المستوي ينبغي المحافظة عليه مستقبلاً ، لأنه العرف الدستوري المستقر ، والمناسب للوضع السياسي القائم بالبلاد من جهة قوة السلطة التنفيذية والتشريعية والمتعلقة بالسيادة ، والمحافظة علي الأمن القومي ، وحتى لا تكون باباً خلفياً للمساس بالاستقلال الوطني . يتبين مما سبق أن موقع المعاهدات الدولية في الدساتير تراوح بين : - قوة القانون " مصر " . - قوة تفوق القوانين " فرنسا " . - القانون الأعلى للبلاد - الدستور - " أمريكا " . وأريد أن أنوه لمسألة في غاية الأهمية وهي : قابلية نصوص المعاهدة الدولية للتطبيق الذاتي ، بمعني تطبيق القاضي المصري للنص بالحالة التي هو عليها ، دون الحاجة الي تدخل من المشرع الداخلي ليُصدر قراراً أو لائحة تُحدد نطاق النص أو تكمل عناصره ، خاصة في النصوص الجنائية . فقد يُجرم النص الدولي فعلاً مُعيناً مع ترك شِق العقاب الجنائي عليه لكل دولة من الدول الأعضاء ، فتُنشر هذه النصوص في الجريدة الرسمية للدولة ، وتُصبح نافذة ، لكنها لا تقبل التطبيق الذاتي حتي يتدخل المشرع ويُحدد شِق العقاب . ولا يعني عدم قيام المشرع الداخلي بهذا الإجراء مشروعية الأفعال المُجَرمة في الشرعة الدولية . ويظل التزام الدولة قائماً أمام مواطنيها من ناحية ، وأمام الجماعة الدولية بأسرها الي حين الوفاء به من ناحية أخري . أما القواعد الآمرة بالإباحة فهي قابلة للتطبيق الذاتي ، حتي وإن تضمن التشريع الجنائي الوطني نصوصاً تُجرم وتُعاقب عليها ، حتي وإن لم يقم المشرع الداخلي بإلغاء تلك النصوص بعد نفاذ قواعد الشرعة الدولية في نظامه القانوني رغم التعارض القائم بينهما ، إذ يُعد النص الداخلي المتعارض معها منسوخاً بها منذ نفاذها ، وهنا يُعيد النص الدولي الأشياء لأصلها وهي الإباحة ، ويُعيد موقف صاحبها لأصله وهو البراءة ، ولأن الفعل الواحد لا يمكن أن يكون حقاً وجريمة في آن واحد . والمثال التطبيقي لذلك أمام القضاء المصري هو قضية إضراب العاملين بسكك حديد مصر ( القضية رقم 4190 لسنة 1986 جنايات الأزبكية ، المُقيدة برقم 165 لسنة 1986 جنايات أمن دولة عليا طوارئ ) . والمتابع لسير العدالة يُلاحظ خلو ساحات المحاكم المصرية من المطالبة بتطبيق القواعد القانونية المُكونة لمعاهدات حقوق الانسان ، وهو ما أدي الي عزوف أعضاء السلطة القضائية عن بحث هذه القواعد ذات المصدر الدولي وتطبيقها علي ما هو مطروح عليهم من قضايا . ويرجع ذلك الي : - عدم إدماج هذه القواعد في التقنين " الكود CODE " . - عدم مطالبة المحامين بتطبيق هذه القواعد وطرحها في صحف الدعاوي أو مذكرات الدفاع لعدم الالمام الكافي بها وبمدي التزام القضاء بتطبيقها . - اكتفاء المشرع الوطني بتصديق الدولة علي هذه المعاهدات ونشرها لتكون جزءاً لا يتجزأ من النظام القانوني ، دون أن يتدخل بما هو ملتزم به لجعل هذه المعاهدات تقبل التطبيق الذاتي ، خاصة ما يتصل منها بالتجريم والعقاب .