عاجل

محمد نور يكتب: ماذا يريد الشباب ؟!

صورة ارشيفية

صورة ارشيفية

عند رؤيتنا لجملة كهذه ؛ علينا أن نتوقف، وأن نعود بالزمن لما قبل زمن الشباب

حتى نعلم الحقيقة الكامنة وراء ما يفعله الشباب الآن

عليك أن ترى مباراة الشطرنج من البداية لتعلم كيف مات ملكٌ وكيف انتشى آخرٌ بنصره

مما يدعونا إلى تثبيت فكرتنا بإرجاع الزمان، أن الأطفال جميعهم مبدعون

جميعهم خلاقون، جميعهم مبتكرون، وجميعهم أيضا أدلة على ما وضع الله في عباده من صفاته كالبديع والمصور، وهذا لا شك مما يدعو للتأمل ..


فما الذي حلَّ بهؤلاء الأطفال ذاتهم عندما دار بهم الزمان وأناخ عليهم جميعهم إلا ما رحم ربي ..

إن مُنِحت من الله تفردا من تفرداته الإلهية التي يمنَح ؛ واطّلعتَ على ما يدور برؤوس هؤلاء الأطفال

ونظرت إلى طفل يلعب بالرمل أو بالطين حتى ؛ فلن تجد في رأسه غير ما يقوم به الآن في لحظته

لن تجد واحدا على ألف بالمائة من تركيزه ينشق ليفكر في أي شيء آخر .. ستجده كالراهب في محرابه

كالسانغا في ردائهم البرتقالي، وكعادل مع طعامه قبل أن يتحول لمجدي ذي الجسد النحيف

فلتضغط الآن زر تقديم الزمن، ولتبق مراقبا لنسبة التركيز في رأس الصبي


انظر! ؛ يصبح التركيز سبعين بالمائة! .. ثم خمسين، لا لا، لا تخبرني أن التركيز دنى عن الثلاثين! يا لَلهول أصبح التركيز صفرا!

ماذا يفعل الصبي؟! .. في أي شيء يفكر! لقد انهار الصرح الترابي الذي بناه!

يبدو أن صاحبنا الصغير بدأ يفكر في ردائه المقطوع، وفي والده الذي مات من الأطعمة المسرطنة، بدأ يفكر في تلابيبٍ تجره الطبيعة منها

لإقحامه في سوق العمل ..


أصبح الطفل الآن شابا، ولكن هذا الشاب في داخله أصبح رجلا بعبء كعبء نوح عليه السلام

كل همه في الحظوة بتلك الأهداف العظيمة من بيت وملبس، تلك التي لا يلقي لها غير العربي بالا .. ويمضي في إنماء فكره وعمارة موطنه

وسيكون من غضب الله على هذا الشاب أن يرسل له طموحا في مجال من مجالات التفكير والابتكار، أن يرسل له هاجسا بأمل في أن 

يصبح آينشتاين، أو شكسبير، أو بلانك، أو دافنشي، أو ميسي، أو تولستوي .. عندها تتحول حياته إلى جحيم، فعليه أن يختار بين طعامه وزواجه

وأهله، وبين حلمه، وفي العادة ما تنتصر الضروريات على الكماليات، التي بدورها تتحول شيئا فشيئا إلى محظورات ..


ثم يأتي سؤال ليقول ماذا يريد الشباب؟ وآخر يدعو إلى الكشف عن غياب الروح الوطنية وكأنها جريمة لا مسبب لها ولا مصدر

في الواقع لن يتغير شيء على الإطلاق حتى نغير وجهتنا في طرح الأسئلة

مما سيغير من طريقتنا في استنباط إجاباتها من واقع الحياة، أو على الأقل نعيد تكوين السؤال ليصبح أكثر جرأة وجدا وإقداما

ليخرج من طابعه المليء بضجر الوطن وغيظه من تصرفات شبابه، فما أن أرى تلك الجملة في حروف أحدهم أو أسمعها تنبثق من فيه حتى وأرى

تنهدا حتميا كحتمية موتنا، أراه يتبعها مجبرا إياي على ترجمتها:


ماذا يريد الشباب .. هيييه (تنهدا)

فمتى نستعد حقا للمواجهة؟

هل وصل بنا خطأنا أن عَدَلنا عن بديهيات السؤال العقلي؟

علينا جميعا أن نسأل أنفسنا قبل الآخرين ؛ متى نضع علامة استفهام بعد سؤالنا؟

متى ننسب السؤال إلى قيمته الأصلية في ضرورة إيجاد الجواب بدلا من تركه على تلك الهيئة التي تستجدي عطف القارئ والمستمع ..