عاجل

غياب قابوس يثير تساؤلات ومخاوف حول انتقال الحكم في عُمان

رغم الحضور الدبلوماسي ودور الوساطة السياسية الذي تقوم بها سلطانة عُمان في العديد من القضايا الإقليمية ولعل أبرزها أزمتي إيران مع الغرب حول الملف النووي، والحوثين باليمن، إلا أن غياب السلطان قابوس بن سعيد عن المشهد السياسي مازال يثير قلق الكثيرين داخل وخارج عُمان حول كيفية الحفاظ على الاستقرار السياسي للبلد حال غيابه المفاجئ عن المشهد بعد قرابة أربعة عقود من البقاء بالسلطة، وعدم وجود وريث شرعي له في الحكم. فقد كان أخر ظهور علني له عبر شاشات التلفزيون الشهر الماضي، بدا عليه الوهن هو يطمئن شعبة على صحته. غير أن غيابه الطويل في الخارج للعلاج أثار المخاوف بين كثير من العمانيين أن سلطانهم الذي ليس له ولد يرث الحكم من بعده لم يعلن بعد اسم الوريث الذي يراه أهلا لقيادة البلاد في حسم حتمية لحسم مسألة ولاية العهد أو الخلافة المؤجلة. ولا تزال عمان جزيرة للاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط العاصفة، ويعتقد كثير من العمانيين أن عملية انتقال الحكم يمكن أن تتم بسلاسة عندما يرحل السلطان في نهاية الأمر. لكن البعض يخشى أن يؤدي أي غموض إلى تزاحم الورثة المحتملين للسلطان قابوس الذي لا يزال الحاكم المطلق للبلاد رغم ما أدخله من إصلاحات تدريجية خلال حكمه المستمر منذ 44 عاما. فقد حكم السلطان قابوس (74 عاما) الذي يدعمه الغرب عمان منذ تولى السلطة في انقلاب أبيض بمساعدة بريطانيا القوة الاستعمارية السابقة. ومنذ ذلك الحين ساهم في تغيير شكل الحياة في البلاد لتتحول من بلد فقير تقسمه الخلافات الداخلية إلى دولة مزدهرة تلعب دورًا مهمًا رغم صغره مساحته في الدبلوماسية الدولية. ففي عمان على سبيل المثال أجرى دبلوماسيون من إيران والولايات المتحدة اتصالات سرية أدت إلى اتفاق مؤقت أبرم عام 2013 بشأن النزاع النووي الذي عمل لفترة طويلة على زيادة التوترات الاقليمية. لكن المحللين يخشون أن يؤدي أي صراع محتمل على السلطة بعد رحيل السلطان داخل أسرة آل سعيد أو بين الأسرة الحاكمة وقادة الجيش إلى اهتزاز استقرار البلاد. ومن المحتمل أن يشعل ذلك من جديد احتجاجات الربيع العربي التي تمكنت السلطات من احتوائها عام 2011. ويعتقد مارك فاليري الخبير في شئون عمان بجامعة إكستر البريطانية كما نقلت وكالة رويترز أن على قابوس أن يقتدي بما فعله الملك حسين عاهل الأردن السابق الذي منع أزمة على خلافته كان يخشاها وذلك بإعلان ابنه عبد الله وريثا للعرش قبل أسبوعين من وفاته عام 1999. وقال فاليري: "أعتقد أن من الأهمية بمكان أن يقرر من سيخلفه مثلما فعل الملك حسين. وإذا لم يحدد قابوس خليفة بنفسه فستزداد صعوبة ضمان استمرار احتواء الخلافات بين الأسرة." وأي تهديد لاستقرار عمان يمكن أن تكون له انعكاسات غير مرغوبة على تجارة النفط العالمية إذ يمر 40 % من صادرات النفط الخام المنقولة بحرا عبر مضيق هرمز الذي يفصل بين السلطة وإيران وكذلك على العلاقات بين طهران والغرب. وباستثناء بيانات مقتضبة لطمأنة العمانيين على صحة السلطان لم يذكر البلاط السلطاني أي تفاصيل عن حالته أو طبيعة العلاج الذي يتلقاه في ألمانيا منذ يوليو تموز الماضي. وفي رسالته التي بثها التلفزيون في الخامس من نوفمبر الماضي قال السلطان قابوس إنه لن يحضر الاحتفالات بيوم ميلاده وهو العيد الوطني للسلطنة ومناسبة لم يغب عن المشاركة فيها منذ عزل والده عام 1970. ولم يذكر السلطان أي تفاصيل عن حالته الصحية سوى الإشارة إلى تحقيق نتائج جيدة تتطلب المتابعة وفق البرنامج الطبي. ومنذ ذلك الحين لم يظهر السلطان سوى مرة واحدة كان يقابل فيها أفرادا من الأسرة الحاكمة. وبمقتضى الدستور العماني يتعين على مجلس الأسرة المالكة أن يقرر من يخلف السلطان خلال ثلاثة أيام من رحيله. وإذا لم يتوصل إلى اتفاق خلال الأيام الثلاثة يتولى مجلس الدفاع المؤلف من كبار ضباط الجيش ورئيس المحكمة العليا ورئيسي غرفتي مجلس الشورى تثبيت اختيار السلطان المتضمن في وصية سرية مودعة في مغلف مغلق. غير أن محللين يقولون إن تشكيل مجلس الاسرة المالكة غير معلن ويبدو أنه لا يوجد من يقوم بدور الوسيط إذا ما نشب خلاف. وقال عبد الله بن محمد الغيلاني الباحث في الشؤون الاستراتيجية لرويترز "هذه الاجراءات المنصوص عليها في الدستور تنطوي على جملة من الثغرات الدستورية: 1ــ مجلس الأسرة المالكة ليس معروفًا لدى الشعب بوصفه مؤسسة دستورية فينبغي أن يكون معروفا بأعضائه واختصاصاته وكيفية تعيينه. 2ــ هناك فراغ في السلطة لمدة ثلاثة أيام فمن يقود الدولة خلال هذه المدة؟ 3ــ إعطاء مجلس الدفاع حقًا دستوريًا بهذا الحجم يعطي ثقلاً سياسًيا مضافًا للمؤسسة العسكرية. 4ــ إخفاق مجلس الأسرة في تعيين السلطان القادم وانتقال هذا الحق إلى مجلس الدفاع يقلص الأهمية السياسية للأسرة المالكة ويضعف أدوارها المستقبلية. خلال انتفاضات الربيع العربي، نظم العمانيون احتجاجات في العاصمة مسقط ومدن أخرى للمطالبة بوظائف ووضع حد للفساد وزيادة صلاحيات مجلس الشورى المنتخب. وسارعت دول الخليج العربية الغنية بالنفط إلى دعم الوضع المالي للسلطنة لتحقيق استقرار البلاد. وقال فاليري إن السلطان قابوس عزل وزراء ليست لهم شعبية وحاكم بعض المسئولين بتهم الفساد، ووعد بإيجاد 50 ألف فرصة عمل جديدة. لكن المظاهرات أوضحت أن السلطة المطلقة لم تعد مقبولة للعمانيين. ويقول المحللون إن العمانيين حددوا معيارًا عاليًا لأي زعيم جديد. وقال أحمد المخيني المحلل المستقل والأمين العام المساعد سابقا لمجلس الشورى العماني وهو من كبار مستشاري السياسات بالمجلس، إن ما يتطلع إليه العمانيون في أي سلطان جديد أن يكون شابا يمكنه أن يمنح الشعور الذي يولده الوالد وألا يحظى فقط بالاحترام بل يعمل على تلبية احتياجات الشعب. وكان التقدم بطيئا صوب دولة المؤسسات. فقد استحدث السلطان قابوس حق الاقتراع العام في انتخابات مجلس الشورى وهو أحد غرفتين تأسستا بموجب القانون الاساسي لعام 1996 لكن سلطاته ظلت دون سلطات السلطان. ويقول محللون إن التأييد كبير للأسرة الحاكمة داخل عمان، إلا أن غياب الديمقراطية النيابية يجعل السلطنة عرضة للغموض الذي قد يصاحب أي انتقال للسلطة. وقال الغيلاني: "هناك مطالب متصاعدة لإنشاء نظام سياسي يتحقق فيه: مشاركة سياسية حقيقية، سلطة تشريعية بصلاحيات كاملة، حرية التنظيم، مجتمع مدني فاعل، نظام قضائي مستقل، عدالة اجتماعية، حرية التعبير، الشفافية والنزاهة المالية، المحاسبية، تدابير صارمة لمحاربة الفساد."

خبر في صورة