عاجل

تخوفات من عودة "الدولة البوليسية" في تونس

قوات تونسية

أعلن رئيس الحكومة التونسية، الحبيب الصيد، عن تعيينات جديدة في مراكز قيادية في المؤسسة الأمنية، لتكون مدخلا لإعادة هيكلة وزارة الداخلية، دون أن يعني ذلك المرور إلى وضع خطة لإصلاح هذا القطاع الحساس. بقدر ما هي ردة فعل على الضربات الإرهابية المتصاعدة.

كما أنها تجعل من الحرب على الإرهاب مقتصرة على البعد الأمني فقط، نظرة تبين أنها قاصرة وفي حاجة للمراجعة. بما يحتم أن تكون السياسة الأمنية جزءا من استراتيجية شاملة، تعلن بدون تردد على أن البلاد في حرب على الإرهاب، وليس الأمن والجيش الوطني لوحدهما.

لابد من وعي وإدراك بأن تونس فعلا في حرب على الإرهاب، وهي حرب غير تقليدية، والتي تنذر بالتحول إلى حرب استنزافية. وذلك في علاقة بوجود "خزان" إرهابي وحواضن متعددة له، فتونس أول بلد مصدر للإرهابيين، فهناك ما بين 5 و8 آلاف "متطرف تونسي" في سوريا والعراق وليبيا، وتشير تقارير دولية إلى وجود حوالي50 ألف متطرف حركي في تونس. إضافة إلى تحوله – الإرهاب - إلى ظاهرة معولمة، دون أن نغفل عن وجودنا في وضع إقليمي شديد الخطورة، وهنا نعني تمدد "داعش" في ليبيا الذي لم يعد يفصله عن تونس إلا 70 كيلومترا والكلام للحكومة، والذي شرع أيضا ومنذ أشهر في تحويل هذا القطر- ليبيا - إلى جزء من داعش.

تأتي هذه "التعيينات" الجديدة وليست "الإصلاحات"، بعد حصول عمليات أصبحت توصف "بالنوعية"، ما جعلها تحدث حالة من الإرباك على المشهد العام في البلاد، انطلقت من عملية متحف باردو في مارس الماضي (21 قتيلا من السياح)، إلى نزل الأمبريال بسوسة في يونيو الماضي، التي خلفت 39 قتيلا من السياح أيضا، وأخيرا عملية استعراضية في قلب العاصمة (24 نوفمبر)، استهدفت تفجير حافلة للأمن الرئاسي، ونجم عنها استشهاد 12 من خيرة النخبة الأمنية. فقد عرفت فترة العشرة أشهر من عمر الحكومة الحالية، أحداث إرهابية هي الأكثر دراماتيكية منذ بدأ الإرهاب يتحرك في ربوع تونس. والتي جاءت في الواقع لتكشفت عن تواصل وجود ثغرات في السياسة الأمنية، برغم بعض مظاهر "التعافي" التي عرفها الأمن، الذي يعيش مواجهة مفتوحة مع إرهاب تغطي الخسائر التي تخلفها عملياته، على نجاحات المؤسسة الأمنية والعسكرية.

بالعودة إلى التعيينات الأخيرة، نشير إلى أنها أثارت مخاوف مرتبطة بالأسماء العائدة، جلها وجوه قديمة، يري بعض النشطاء السياسيين والحقوقيين أنها ارتبطت بفترة "السياسة البوليسية" لنظام ما قبل الثورة. وبالتالي فإنها ستكون غير مساعدة على إصلاح الجهاز الأمني، أو معطلة حتى لنوايا الإصلاح، الذي هو السبيل الوحيدة لبناء أمن جمهوري، يقطع مع إعادة إنتاج "بوليس" ما قبل 14 يناير، الذي توجه له اتهامات كثيرة، ليس أقلها تحوله إلى أداة قمعية بيد نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. من ذلك أن المسؤول الأمني "رقم واحد"، عبدالرحمن الحاج علي الذي عين مديرا عاما للأمن الوطني .وهي أهم خطة أمنية في الحكومة. سبق له أن شغل خطة مدير عام لجهاز الأمن الرئاسي، في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، الذي قامت عليه ثورة 14 يناير 2011، كما شغل خطة مدير أمن الدولة ومدير الشرطة العدلية وعمل بالإدارة العامة للأمن الوطني قبل أن يعين سفيرا لتونس في موريتانيا.

إن كسب الحرب الشرسة مع الجماعات الإرهابية، تفترض جاهزية مجتمعية وخاصة يقظة أمنية وعسكرية كبيرة، وهو ما يستدعي التسريع بوضع برنامج لإصلاح المؤسسة الأمنية، التي لا تزال تعاني العديد من الثغرات المرتبطة بفترة النظام التسلطي، كما راكمت اتهامات جديدة، لعل من أبرزها الاتهام بكونها مخترقة من قبل أحزاب سياسية، وزاد العمل النقابي الأمني من تشتيت الأجهزة إلى درجة بروز تنازعات بينها، وهو ما يؤثر قطعا على أدائها، ما يجعل من تنظيم العمل النقابي ومركزته من أولى مطالب الإصلاح.

على الحكومة الحالية في تونس أن تدرك أن قطاعا واسعا من التونسيين ما زالوا يحملون صورة سيئة عن الأمن، فمنذ تأسيس الدولة الوطنية، في مارس 1956، "استخدمت مختلف الأنظمة الاستبدادية الأجهزة الأمنية لتعزيز حكمها وسحق المعارضة الداخلية"، وفق ما أكده بحث صادر عن مركز "كارنجي" الأمريكي، حول "مدي قدرة العرب على إصلاح مؤسساتهم الأمنية"، تطرق بصفة مستفيضة إلى المثال التونسي.

كما تضمن بحث "كارنجي"، إشارة الى أن توظيف الأمن كأداة بيد الأنظمة التسلطية، بيد أن تمكّنها من الحفاظ على سلطتها "كان باهظ الثمن". حيث أوضح أن "القطاعات الأمنية في العديد من الدول العربية باتت مكروهة بشدّة". وهو من المسائل الملحة التي تواجه الحكومة التونسية المنتخبة ديمقراطيا، التي تجد نفسها – خاصة بعد تنامي خطر الإرهاب – "في مواجهة المهمّة الصعبة المتمثّلة في إصلاح المؤسسات الأمنية، والتي من دونها ستجهد من أجل الحصول على شرعية سياسية ذات ديمومة".