عاجل

الاضطرابات التونسية عاصفة الشتاء التى تهدد قصور قرطاج

البلاد بدون قيادة والنخب مفصولة عن الشعب، هكذا برر المتظاهرون التونسيون الذين احتجوا على حالة التردى التى تشهدها البلاد، وخاصة مع ارتفاع معدلات البطالة وعدم سعى أى من الحكومات التى تعاقبت على تونس طوال الخمس سنوات الماضية إلى فتح هذا الملف، الذى انفجر منذ ايام فى وجه النخب التونسية.

وكانت الأحداث الاحتجاجية التي اندلعت بالقصرين بداية من يوم الثلاثاء واشتدت في الأيام الموالية لتتسع رقعتها وتمتد الى ولايات أخرى اضطرت حكومة الصيد في تركيبتها المعدلة والتي لم تلتحق بمهامها، الا منذ ايام قليلة الى عقد جلسة عمل استثنائية اتخذت خلالها جملة من الاجراءات التنموية لفائدة الجهات المعنية بالتمييز الايجابي. وشملت هذه الاجراءات محاور التشغيل ومكافحة الفساد والبنية التحتية والسكن والصحة. وشملت انتداب 5 آلاف عاطل عن العمل ضمن الآليات المعتمدة في برامج التشغيل، بالاضافة الى انتداب 1410 عاطل عن العمل ضمن الآلية 16. وتبنى البنك التونسي للتضامن 500 مشروع لتمويلها بكلفة اجمالية تصل الى 6 مليون دينار. هذا بالاضافة الى اجراءات أخرى لعلها تخفف من غضب المحتجين علما وان جميعها ينسحب على الولايات التي تعيش حالة من الحرمان ضمن مبدإ التمييز الايجابي المنصوص عليه في الدستور.

من جانبه اكد رئيس الحكومة الحبيب الصيد في حوار له اليوم الجمعة على قناة فرنس24،  أن الحكومة ستفعل كل ما في وسعها لإنهاء الازمة الاجتماعية الخطيرة في مدينة القصرين. واضاف الصيد قائلا: " ندرك ان مهمتنا صعبة وندرك تماما الوضع"، لكن مازالت الديمقراطية فتية عندنا وتتطلب مزيدا من النضج" .

وقال الصيد: "ليس لدينا عصا سحرية لإعطاء وظيفة للجميع في نفس الوقت ، ما يحدث في تونس مع الشباب ليست حالة جديدة مضيفا:" نحن نرث هذا الوضع .. وظائف جديدة تتطلب جهدا كبيرا... نحن بحاجة إلى أشخاص  تتحلى بالصبر."

وكانت الحكومة التونسية قد اعلنت في بيان مساء أمس الخميس إن رئيس الحكومة الحبيب الصيد قرر اختصار ‎زيارته الى الخارج والعودة الى تونس  وفق بلاغ صادر أمس الخميس ‎عن رئاسة الحكومة.وأفاد البلاغ  بان رئيس الحكومة سيشرف يوم السبت على اجتماع ‎استثنائي لمجلس الوزراء  كما سيعقد ندوة صحفية.

‎ويشارك الصيد في اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي  دافوس  الذي ‎ينعقد بسويسرا من 20 الى 23 يناير 2016  تحت شعار  الثورة الصناعية ‎الرابعة. وكان من المنتظر أن يؤدي زيارة رسمية الى العاصمة الفرنسية باريس ‎يومي 22 و23 يناير الجاري  ليلتقي خلالها برئيس الجمهورية الفرنسي‎والوزير الاول ورئيس مجلس الشيوخ ورئيسة بلدية باريس.

من جانبه دعا المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل  فى بيان له أمس الخميس  الحكومة إلى مزيد البحث عن إجراءات عاجلة وعملية  علاوة عن التي اتخذتها أول أمس الأربعاء  من أجل وضع حلول سريعة لأهم المشاكل المطروحة فى الجهات المحرومة.

كما طالب الحكومة بفتح حوارات بناءة وجادة للاستماع إلى مشاغل أهالي القصرين وغيرها من المناطق الداخلية المهمشة  مشددا في هذا الخصوص على أهمية المشاركة الفعلية لمكونات المجتمع المدني في البحث عن حلول فورية ومتوسطة أو بعيدة المدى حسب خصوصية كل جهة. وحث المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل الشباب المحتج على التظاهر السلمي والحضاري المنظم بعيدا عن كل أشكال العنف والتدمير والإضرار بالاملاك العامة والخاصة وتعطيل الانشطة.

ونبه في السياق ذاته الى تربص الارهابيين والمخربين لهذه  الفرص وسعيهم الى انتهازها للاندساس بين المتظاهرين وتحويل  وجهة الاحتجاجات الى التخريب والحرق والقتل وكذلك الى بث  الفوضى باعتبارها الوضع الانسب للنشاط الارهابي ولفك الحصار على الارهابيين والمهربين.

وعبر الاتحاد عن مساندته التامة للمطالب التى وصفها بالمشروعة  للمئات من الالاف من المهمشين والمعطلين مؤكدا يقينه بأن قضايا  الشغل والتنمية لا يمكن أن تنتظر أكثر من ذلك ولا بد من ايلائها  العناية الكافية وتقديم البرامج والمشاريع لحلها.

وأعرب في هذا الصدد عن استعداده للمساهمة بمشاريع البدائل التي سبق أن اقترحها على الحكومات المتعاقبة ولم تلق العناية  مبرزا ضرورة تحمل جميع الاطراف لمسؤولياتهم للمساهمة الفعالة  في انقاذ البلاد من التردي في الفوضى والانهيار.

وذكر اتحاد الشغل بانه كان نبه من توقع حدوث احتجاجات وهزات اجتماعية قوية نتيجة ما اعتبره تواصلا لتهميش واقصاء الجهات  الداخلية وخاصة الجهات الحدودية وبسبب الفشل في تحقيق انتظارات  الشباب وخاصة منه المعطل عن العمل بعد خمس سنوات من الثورة وبعد  سيل من الوعود الانتخابية الوهمية التي أفقدت الشعب الثقة في  نخبه السياسية بحسب ما ورد فى نص البيان.

يشار الى ان مدينة القصرين تشهد منذ يوم الاحد 17 يناير الجاري  تصاعد الاحتجاجات الشبابية بعد وفاة المعطل عن العمل رضا  اليحياوى اثر اقدامه على الانتحار احتجاجا على حذف اسمه من  قائمة منتدبين جدد للعمل مما أدى الى مواجهات بين المواطنين وقوات الامن والى اعلان وزارة الداخلية عشية الثلاثاء الماضي حالة  الطوارئ بولاية القصرين.

من جانبها استطلعت جريدة «الصحافة اليوم» التونسية  آراء بعض السياسيين تجاه هذه الاجراءات وان كانت ترتقي الى مستوى الحلول الجدية والجذرية لمشاكل شباب وأهالي القصرين وبقية المناطق التي تعاني من التهميش والحرمان.

وقال العجمي الوريمي القيادي بحركة النهضة ان الاجراءات التي أعلنت عنها الحكومة تعتبر مهمة والأهم منها هو تفعيلها على أرض الواقع. ومبدئيا حسب المتحدث لا يمكن الحكم على النوايا ولكن في الآن ذاته لا يمكن التشكيك في ارادة الحكومة التي لا ترمي فقط الى امتصاص غضب المواطنين بل هي ترمي ايضا  الى ارسال رسالة فورية للتونسيين تفيدهم بأن أولوياتها اجتماعية بالاضافة الى الأولوية الأمنية.

ورغم تفهم غضب أهالي القصرين فان الوريمي يؤكد على أن البطالة تمثل مشكلة وطنية وتتطلب استراتيجية وطنية لمجابهتها. لكن الحكومة ان لم تجد سندا سياسيا داخل الائتلاف الحاكم وسندا اجتماعيا من المجتمع المدني لايجاد سلم اجتماعية وتنقية المناخ الاجتماعي فانها لن تكون قادرة على ايجاد الحلول التي تمثل مسؤولية بقية الأطراف بما فيها أصحاب المؤسسات والنقابات.

وأضاف الوريمي انه اليوم المطلوب من الشباب ان يتفهم وجود رغبة صادقة من الحكومة للاهتمام بأهالي القصرين وبقية الجهات بصفة عامة ولكن ما اتخذ من الاجراءات لا يمكن ان يطبق بين عشية وضحاها لذلك لابد من اعطائها فرصة لتنفيذ قراراتها التي يرى انها قرارات مدروسة. وتنزيلها على ارض الواقع يتطلب ادارة متعاونة واحزابا مساندة ومناخا اجتماعيا يساعد على الاستثمار ويسهم في التشغيل وامتصاص البطالة.

أما الناطق الرسمي لحزب افاق تونس وليد صفر فقد اكد على ان حزبه قد اصدر أول امس وقبل الاعلان عن جملة الاجراءات بيانا عبر فيه عن تفهم تحركات المواطنين بالقصرين وتفهم مطالبهم المشروعة التي تعبر عن نفاد صبرهم تجاه تأخر تحسين ظروف عيشهم.

وفي البيان ذاته دعا افاق تونس الرباعي الحاكم الى اتخاذ كافة الاجراءات الكفيلة بالتسريع في تنفيذ القرارات والبرامج التنموية المبرمجة للجهة، نظرا لعدم احتمال البلاد لمثل هذه الاحتجاجات وهي التي تعيش وضعا خطيرا سواء أمنيا او اقتصاديا او اجتماعيا او سياسيا.

واثر الاعلان عن جملة الاجراءات التي اتخذتها الحكومة، يبدو ان هذا الحزب المتواجد في الائتلاف الحاكم لم يقتنع بنجاعتها، اذ علق ناطقه الرسمي قائلا ان الاوضاع في عديد الجهات تتطلب اصلاحات هيكلية. في حين أن الاجراءات المعلنة تبدو غير مدروسة ولن تكون بالنجاعة المطلوبة.

ويرى هذا الحزب انه لابد من العناية بالقطاع الفلاحي في هذه المناطق لشد ابنائها الى مناطقهم. عوض الانتدابات لعدد من العاطلين عن العمل، فقد كان اولى بالحكومة الحث على خلق المشاريع التي تكون منتجة وتشع على الجهات وتشغل ابناءها وتمتص البطالة.


ومن جانبه ، تحدث الرئيس التونسي الباجى قائد السبسي مساء الجمعة ،  قال إن أياد خبيثة تدخلت لإثارة الاحتجاجات، لافتاً إلى أن هناك فلتان إعلامى مبالغ فيه.

وأشار الرئيس التونسى فى خطاب له عبر التليفزيون الرسمى لتونس، إلى أنه تقرر حظر تجوال من الساعة 8 ليلا حتى الساعة 5 صباحاً، وأن "قطاع طرق استغلوا الاحتجاجات".

وتابع: "أريد أن أطمئن الشعب التونسى أن الساهرين على أمنه قائمون بواجبهم"، مقدماً الشكر والتقدير لقيادات الأمن والجيش، موضحاً أنه يتابع أعمالهم ليلا ونهارا، قائلا: "إن شاء الله نخرج من هذه الأزمة سالمين". 

بينما، شدد رئيس  حركة النهضة راشد العنوشي، على أن الاتحاد العام التونسي للشغل بإمكانه  القيام بدور هام لتهدئة الأوضاع  في البلاد  إثر "إنفجار الغضب في القصرين" وبقية مناطق الجمهورية، داعيا الشعب التونسي للتهدئة وذلك على هامش حضوره في إحتفال الاتحاد بالذكرى السبعين لتأسيسه.

وقال الغنوشي متحدثا باسم الأحزاب، إنهم يقوقمون بكل ما بوسعهم، داعيا إلى نبذ العنف  خاصة تجاه مؤسسات الدولة "لان تدمير المؤسسات لن يؤدي إلى التمتع بالحقوق  وتوفير الشغل".
كما ندد  رئيس حركة النهضة بكل أشكال العنف خاصة ضد مؤسسات الدولة ورموزها.

كل هذه الاحداث المتصارعة تنبأ بحجم المخاطر التى تتعرض لها تونس، والهوة التى أوشكت أن تبتلعها، بينما تظهر الايام القادمة قدرة النخب على احتواء الشارع والغضب العارم الذى يحتاجه، أو أن تلتهم الجماهير الغاضبة النخب التى تدور فى فلك قصر قرطاج؟