عاجل

الإيكونوميست : الربيع العربي لم يفشل بالنظر إلى ما سبقه من شتاء طويل

صورة أرشيفية

رأت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية أن من يصف الربيع العربي بالفشل فهو إنما يتجاهل ما سبقه من شتاء طويل ترك آثاره على حياة الشعوب العربية. ولفتت المجلة إلى أنه رغم انقضاء عامين ونصف من هبوب عواصف الربيع العربي على منطقة الشرق الأوسط، لم تنعم دولة واحدة بالاستقرار أوالأمان الديمقراطي أو تهتدي إلى سبيله، مشيرة إلى استمرار الصراع في كل من تونس وليبيا واليمن على عكس التوقعات، وإلى أيلولة تجربة الديمقراطية في مصر إلى الزج بأول رئيس منتخب وراء القضبان، وإلى سوريا التي تغرق في بحر متلاطم من دماء الحرب الأهلية. ورأت أنه ليس من العجب إذن أن يذهب البعض في ظل هذه المعطيات إلى الاعتقاد بأن الربيع العربي محكوم عليه بالفشل، وأن الشرق الأوسط لم يكن مستعدا بعد للتغير لسببين؛ أولهما افتقاره إلى مؤسسات ديمقراطية، ومن ثم فإن قوة الشعب مصيرها إما التحول إلى فوضى أو إستدعاء الديكتاتوريات الساقطة. أما السبب الثاني بحسب هؤلاء فهو أن القوة المنظمة الوحيدة بمنطقة الشرق الأوسط هي قوى إسلامية لا تستطيع استيعاب الديمقراطية، ومن هنا فإنهم يرون أن المنطقة كانت أفضل حالا دونما ربيع عربي على الإطلاق. واعتبرت "الإيكونوميست" هذا الرأي سابقا لأوانه إن لم يكن خطأ، قائلة إن عمليات الانتقال الديمقراطية عادة ما تتسم بالعنف وطول الفترة. ولفتت إلى أنه رغم تبعات الربيع العربي المريعة ابتداء بليبيا وانتهاء بسوريا، إلا أن معظم العرب لا يريدون العودة إلى الوراء. وقالت المجلة البريطانية إن من يصف الربيع العربي بالفشل، إنما يتجاهل ما سبقه من شتاء طويل ترك آثاره على حياة الشعوب، عائدة بالأذهان إلى عام 1960 عندما كانت مصر وكوريا الجنوبية على نفس المستوى فيما يتعلق بمتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وكذلك متوسط عمر الفرد، مشيرة إلى أن كل دولة منهما الآن تنتمي إلى عالم مختلف تماما، ففي كوريا الجنوبية يعادل متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي خمس أمثال نظيره في مصر، أما فيما يتعلق بالفقر وأمراض سوء التغذية فلا وجه للمقارنة بين الدولتين في الوقت الراهن. واتهمت "الإيكونوميست" حكومة الإخوان، التي رمتها بالافتقار إلى الكفاءة، بأنها لم تحرك ساكنا في فترتها الوجيزة لتغيير تلك الحال، ولكن المجلة رأت كذلك أن مشكلات مصر الأكثر تعقيدا إنما تفاقمت في ظل الديكتاتوريات التي سبقت نظام الإخوان، وليس حال مصر بأسوأ من دول عربية أخرى عديدة، بحسب المجلة. ورأت أن حكام العرب عادة ما يصدفون عن مواجهة تحديات الإصلاح الكبرى مثل رفع الدعم عن الطاقة تدريجيا والذي يبتلع في مصر نسبة 8% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك لأنهم يحاولون تفادي إثارة الحشود الشعبية ضدهم، حتى الممالك العربية الغنية بالنفط تحاول دائما شراء السلام، بحسب المجلة. ولكن مع تزايد أعداد الشباب المتعلم الذي يعرف أن له حقوقا منتزعة وتنسمه نسائم الحرية، بات تطبيق الحلول القديمة مستحيلا إلا في بلد كسوريا يستعد حاكمها لإراقة بحور من الدماء نظير البقاء في سدة الحكم . أما بعض الممالك العربية مثل المغرب والأردن والكويت فإن أنظمتها بدأت تتلمس الطريق صوب تطبيق النظم الدستورية بما يتيح للرعايا مساحة أكبر من التعبير والمشاركة في صنع مستقبلهم. وقالت "الإيكونوميست" إن البعض قد يذهب إلى القول بأن تجربة تطبيق الديمقراطية في العالم العربي جاءت إلى السلطة بالإسلاميين، الأعجز عن الإصلاح من الديكتاتوريات القوية التي سبقتهم، وليس أدل على ذلك من المثال المصري الذي آل إلى تدخل الجيش بعد خروج ملايين المصريين إلى الشوارع احتجاجا على فشل وتعصب أول نظام إسلامي منتخب في البلاد. واعتبرت المجلة أن هذا الرأي أيضا خاطئ، قائلة إن المشكلة ليست في الإسلاميين عموما عندماً يصلون إلى الحكم، مشيرة إلى النماذج الإسلامية في كل من ماليزيا وإندونيسيا وتركيا التي أثبتت قدرتها على ممارسة الديمقراطية بشكل سليم. ولكن المشكلة بحسب "الإيكونوميست"، هي في الإسلاميين العرب بوجه خاص؛ إذ وصلوا إلى الحكم بعد عقود من القمع استعانوا على البقاء خلالها بالتآمر والعمل السري المنظم ومع ذلك استطاعوا تكوين قواعد لا يستهان بها في معظم الدول العربية، وعليه نصحت المجلة بضرورة استيعابهم في العملية السياسية مستقبلا. ورأت المجلة البريطانية أن أفضل وصف لما حدث في العالم العربي خلال العامين ونصف الماضيين هو "الصحوة" ذلك أن الثورة الحقيقية تشتعل في العقول قبل أن تنزل إلى الشوارع، مشيرة إلى استحالة التعايش بين الأساليب الديكتاتورية البالية وعالم اليوم الذي اقتحمه الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ومحطات الأقمار الصناعية والظمأ إلى المعرفة بين النساء والرجال العرب على السواء. واختتمت "الإيكونوميست" تعليقها بالقول إن المصريين وغيرهم يتعلمون الآن أن الديمقراطية ليست القدرة على حشد ملايين المتظاهرين بالشوارع، مؤكدة أن طريق الديمقراطية طويل قد يستغرق عقودا.. لكنه طريق جدير بالسير فيه.

اقرأ أيضاً

خبر في صورة