عاجل

الحريـــــــة

قال الله تعالى : (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ ) سورة البقرة آية 35 . إن الحرية المتاحة في هذه الآية واسعة جداً (حَيْثُ شِئْتُمَا ) ، أما قيد الحرية فضيق جداً ، إنه شجرة واحدة (وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ ) . ما أوسع الحرية ، وما أضيق قيودها . وقد تضمنت الآية حق السكن (اسْكُنْ ) ، وحق الزواج وتكوين أسرة (أَنتَ وَزَوْجُكَ ) ، وبينت طبيعة المكان (الْجَنَّةَ ) التي قال الله عنها : ( إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى . وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى ) سورة طه الآيتين 118 ، 119 . وقال عنها النبي صلي الله عليه وسلم : ( يقول اللهُ : أَعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قلبِ بشرٍ، فاقرُأُوا إن شِئْتُم فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) سورة السجدة آية 17 ، والحديث رواه الترمذي بسند حسن صحيح . والرغد هو العيش الهنئ الذى لا عناء فيه . وأما التحذير – القانون – فإنه واضح (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ) سورة طه آية 117 . ولكنها طبيعة الانسان (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ) سورة البقرة آية 36 . وما أجمل التوبة (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) سورة الأعراف آية 23 . ومن تعظيم الاسلام للحرية أن جعل الله عزّ وجلّ الانسان مُخيراً فيما هو مُكلف به . قال تعالى : (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) سورة البلد آية 10 . والنجد هو المكان المرتفع أي بينا له طريق الخير وطريق الشر . وقال تعالى : ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) سورة الانسان آية 3 . وقال تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ) سورة فصلت آية 17 . كما أن الاكراه غير معتبر في الاسلام . قال تعالى : (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) سورة البقرة آية 256 . وقال تعالى : (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ) سورة يونس آية 99 . وقال تعالى : (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ) سورة الأعراف آية 88 . وقال تعالى : (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ) سورة النحل آية 106 . وقال تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ ) سورة التوبة آية 6 . وقال تعالى : (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) سورة النور آية 33 . وكون الاكراه بضوابطه المعروفة عند أهل العلم غير معتبر في الخروج من الدين أو في أي فعل أو قول ، فهذا من خصائص هذه الشريعة الحنيفية السمحة ، فلم يكن هذا شَرعُ مَن قبلنا ، ومما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( رُفعَ عنْ أمتِي الخطأُ والنسيانُ وما استكرِهوا عليهِ ) صححه الألباني في صحيح الجامع 3509 عن ثوبان رضي الله عنه بلفظ " وُضعَ" . قال تعالى : (رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) سورة البقرة آية 286 . وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم أن الله تعالى قال عقب كل دعوة من هذه الدعوات : قد فعلتُ . ما أعظم الاسلام دين الحرية .