عاجل

إسرائيل تستغل انشغال العرب.. وتكرس ليهودية الدولة

فى الوقت الذى تتصاعد وتيرة التوتر فى المنطقة العربية بسبب تطورات الأوضاع بدول الربيع العربى ، تمضى إسرائيل فى تكثيف ممارساتها القمعية وتنفيذ مخططاتها الهادفة إلى تحويل دفة الصراع إلى جهة تكريس الدولة اليهودية ، وذلك بفرض وقائع جديدة على الأرض لا يمكن التعامل معها بشكل دبلوماسى ، خاصة فى ظل مؤشرات عودة المفاوضات عديمة الجدوى برعاية أمريكية . ويبدو أن قادة إسرائيل الذين ينفذون مخططا ثلاثى الأبعاد يقوم على تهويد القدس وتوسيع بؤر الإستيطان وكسر الإرادة الفلسطينية ، قد عقدوا العزم على تسريع خطى ذلك المخطط الإستعمارى ، فى ظل حالة إنعدام الوزن التى تمر بها القوى التقليدية العربية ذات التأثير التاريخى فى مسار القضية الفلسطينية . فيما تتراجع القضية الفلسطينية وهى القضية الأم للعرب والمسلمين فى جدول الإهتمامات ، سواء على الصعيد السياسى أو الأمنى أو الإعلامى ، حيث تحتل أخبار التطورات فى مصر وسوريا وليبيا وتونس واجهة المشهد ، وهو ما منح مساحة واسعة لقادة إسرائيل ومن خلفهم الراعى الأمريكى للفكاك من كل التعهدات ، والذهاب بعيدا إلى فرض شروط لبدء عملية السلام من جديد بعد أن كان المطلب الإسرائيلى الأول هو بدء المفاوضات بلا شروط مسبقة . ووفقا لما أكده وزير الخارجية الأردني ناصر جودة خلال لقاء في عمان مع كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات أمس السبت، فأن هناك جولة رابعة من المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين خلال الأيام القليلة المقبلة. حيث تعتبر القيادات الأوروبية أن نجاح المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية سيعطي دفعا قويا للسلام في كامل المنطقة الغارقة في أزمات خانقة ، إلا أن الرهان سوف يبقى على توافر إرادة حقيقية لإنجاح تلك الجولة من المفاوضات ، فى وقت تمارس إسرائيل كل ما من شأنه تدمير عملية السلام نهائيا أو تجييرها لصالحها ، ومنح الفلسطينيين الفتات مع إنهاء أى أمل فى إحياء حق العودة ووضع القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية . وتطرح الوقائع على الأرض وما تقوم به اسرائيل من ممارسات إشكالية جدوى إستمرار المفاوضات ، إذا كان الجانب الريئسى فيها يستغل أوضاع المنطقة ، ويمارس بشكل تعسفى جرائم ترقى إلى جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة. حيث تؤكد تقارير الجهات المعنية بالدفاع عن الحقوق الفلسطينية ان قوات الاحتلال فضلاً عن استمرارها بفرض حصارها الجائر على قطاع غزة منذ نحو 7 سنوات ، الا انها مستمرة في فرض المزيد من العقوبات على السكان المدنيين في إطار سياسة العقاب الجماعي المخالفة لكافة القوانين الدولية والإنسانية في الضفة الغربية. فيما تمضى الآلة القمعية الإسرائيلية في إرتكاب جرائم القتل الناجمة عن الاستخدام المفرط للقوة المسلحة ، ناهيك عن ممارسة أعمال التوغل والاقتحام واعتقال المواطنين الفلسطينيين بشكل يومي في معظم مدن الضفة الغربية ، حيث لا تستثنى أحدا أو منطقة من مناطق مدن وبلدات ومخيمات الضفة بما فى ذلك الأطفال والنساء والصحفيين . كما تشير التقارير إلى ان قوات الاحتلال تستخدم القوة لتفريق المشاركين في مسيرات الاحتجاج السلمية ، التي يجرى تنظيمها في الضفة الغربية ضد الأعمال الاستيطانية وبناء جدار الضم "الفاصل" ، في إطار سياستها الممنهجة لقمع أى تحرك شعبى فلسطينى يعارض سياساتها الإستيطانية . وعلى صعيد متصل تتعرض مناطق الضفة الغربية المصنفة في منطقة" C " وفق اتفاق أوسلو الموقع بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ، لحملات إسرائيلية محمومة بهدف تفريغها من سكانها الأصليين لصالح مشاريع التوسع الاستيطاني ، وفي مقدمة تلك المناطق مدينة القدس الشرقية المحتلة وضواحيها. وعلى الرغم من النداءات الإحتجاجات الدولية والعربية على مواصلة إسرائيل لمخخطاتها الإستيطانية ، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تكثيفا وتحديثا لتلك المخططات ، حيث استمرت سلطات الإحتلال الإسرائلى فى توسيع البؤر الإستيطانية ، ورصد الموازات الضخمة لإنشاء المزيد منها . ولم تكن موافقة السلطات الاسرائيلية منتصف أغسطس الجارى ، على بناء حوالي 1200 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية والقدس الشرقية ، هى الأولى ضمن مخطط نشر المستوطنات السرطانية فى مناطق الضفة الغربية المحتلة ، كما أنها لن تكون الأخيرة . ووفقا لتصريحات وزير الإسكان الإسرائيلي اوري أرئيل فأن هذه الوحدات تدخل ضمن ما وصفه بـ "سلطة الأراضي في إسرائيل"، مشددا على أنه "لا يوجد بلد في العالم يوافق على قبول إملاءات من دول أخرى تفرض عليه إن كان بمقدوره أن يبني على أرضه أم لا" في تلميح الى الضغط الدولي التي تتعرض إليه إسرائيل لوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية. ولعل المريب فى الأمر هو أن الموافقة على هذا المشروع الإستيطاني الكبير جاءت قبل 3 أيام فقط من لقاء فلسطيني إسرائيلي لاستئناف مفاوضات السلام في القدس ، وهو ما يؤشر إلى عدم إلتفات قادة إسرائيل إلى ضرورة تقدم حسن النوايا قبل البدء فى جولة عبثية جديدة مما يعرف بمفاوضات السلام . ويدرك المراقب لما يجرى إن مجرد النظر إلى خريطة توزيع المستوطنات الإسرائيلية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، أن إقامة هذه المستوطنات في مواقعها الحالية لم يأت عبثاً بل وضعت ضمن خطط مدروسة بعناية لتحقيق الأهداف والمطامع الإسرائيلية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية ، أو الضغط على التجمعات السكانية الفلسطينية لكي تصبح هذه التجمعات في النهاية جيوباً صغيرة ، أو كما يسمى كانتونات مغلقة وسط المحيط الإسرائيلي المتمثل في المستوطنين الذين سكنوا هذه المستوطنات . كما أن توزيع هذه المستوطنات الذى لا يقيم وزنا للضغوط الدولية والإستغاثات الفلسطينية ، يميل إلى الانتشار مع التركز أي أنها تنتشر على جميع الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة إلا أن هناك تركزاً في بعض المناطق، خصوصاً بالقرب من التجمعات السكانية الفلسطينية الكبيرة . وتسعى إسرائيل إلى إنجاز مخططها الإستيطانى بأسرع وقت ممكن ، مستغلة ما يجرى فى المنطقة من تطورات ، حيث تعمل إسرائيل من خلال استعمار الأراضي المحتلة على الإنحراف بمسار المفاوضات لتكون في مصلحتها، وتأمل بالحصول على الاعتراف بحقها بالسيادة الدائمة على تلك الكتل السكانية غير الشرعية . وقد يُشكّل الأساس لهذه السياسة أيضاً الرغبة في ضمان أن تكون أية دولة فلسطينية غير قادرة على النمو والتطور بجعل أراضيها مقسّمة بالمستوطنات ، وفيما يتعلّق بمستوطنات القدس الشرقية، بما في ذلك المستوطنات التي وُضعت داخل الحدود البلدية للقدس، لا شك بأن هدفها أيضاً هو دعم مطالبة إسرائيل غير القانونية، وجعل القدس الشرقية المحتلة جزءاً من عاصمتها وتعديل التركيبة الديموجرافية للمدينة لضمان أن يُشكّل الإسرائيليون غالبية السكان فيها . أما الكارثة الكبرى التى تتواصل على قدم وساق ، فهى مساعي إسرائيل لتهويد القدس‏ ، والتى تأتى ضمن مخططات عديدة لتفريغ محيط المسجد الأقصي من ابنائه الحقيقيين ومحاولة تغليب الوجود الإسرائيلي مكانهم, وفي إطار الهجمة الإسرائيلية علي القدس بهدف تهويدها وعزلها عن محيطها الفلسطيني. وتشير تقارير صحفية إلى أن مؤسسة الاتحاد الأمريكي اليهودي في نيويورك خصصت مبلغ541 مليون دولار لدعم مشاريع خاصة بها وبحلفائها في القدس ، أو بعبارة اخري ما سيسفر عن تهويد المدينة المقدسة. فيما تسعى 31 منظمة يهودية أخري مختصة في بناء الهيكل وتهويد القدس ولكل واحدة منها مصادرها المالية ودورها الخاص بها ، إلى إستكمال نفس الدور وهو تهويد القدس وجعلها عاصمة أبدية للدولة اليهودية ، من خلال وسائل معتمدة تدعمها حكومة إسرائيل مثل المد الاستيطاني ومصادرة الأراضي و التهجيروسحب الهويات و إصدار القوانين الملتوية . وعلى الرغم من أن وسائل التهويد التي تعتمدها السلطات الإسرائيلية منذ عقود لمحاصرة القدس وتضييق الخناق علي أهلها, تسير وفق خطط منهجية ، إلا أنها زادت وتيرتها منذ بدء ما يعرف بالربيع العربى ، وذلك بهدف فرض أمر واقع يكرس لحلم قيد وهو " القدس عاصمة إسرائيل الأبدية . وكما قال رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في خطابه الشهير أمام الأمم المتحدة في أن 2011 أن " علي الفلسطينيين الإعتراف بحقنا التاريخي في القدس, هم يتحدثون عن تهويد القدس, وهذا أشبه بإتهام أمريكا بأمركة واشنطن أو الإنجليز بانجلة لندن " .