عاجل

التدخل العسكرى فى سوريا بين الضرورات والمخاطر

تبدو المؤشرات اليوم أكثر وضوحا على أن ضربة عسكرية أطلسية فى طريقها لدك أهداف سورية في الأيام أو ربما الساعات المقبلة، رغم الخلاف حول حجم هذه الضربة والهدف منها ، وهل هى ضربة خاطفة لتقليص القوة العسكرية لنظام بشار الأسد وشل قدراته ، أم أنها ضربة ساحقة تهدف إلى تكسير عظام هذا النظام بهدف تغيير المعادلة على الأرض لصالح قوى المعارضة . ومع تخطى المشاورات بين القوى الدولية بقيادة الولايات المتحدة ، مرحلة القرار بتوجيه ضربة إلى مرحلة تحديد الأهداف ، تبرز إشكالية مخاطر إعادة إنتاج السيناريو العراقى ليس لإدارة أوباما فقط وإنما لباقى الشركاء ، خاصة فى ظل رفض روسيا والصين للتدخل العسكرى فى سوريا وهو ما يلغى إمكانية وجود غطاء من مجلس الأمن الدولى . فألمانيا وهى أحد أهم الشركاء الأوروبيين تنتظر الإنتخابات التشريعية خلال أقل من شهر ، وكافة الأحزاب هناك تدرك جيداً أن غالبية الشعب الألماني تقف ضد المشاركة في أي عمل عسكري بعد التجربة الأفغانية ، لذا جاء موقف وزير الخارجية الألماني فيسترفيله بربط مشاركة بلاده بوجود تفويض أممي. وتخشى حكومة برلين من أن تنجرّ إلى التدخل بنحو أو بآخر، حيث إن الجيش الألماني نشر بطاريات صواريخ باتريوت في تركيا لأغراض دفاعية فقط ، ولكن إذا ردّت سوريا على هجمات الأطلسي بقصف تركيا فهذا يعني أن القوات الألمانية هناك ستشارك وتصبح جزءاً من المعركة ، وهو ما يدفع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تريد الوصول إلى الانتخابات من دون أن تعرض شعبيتها للخطر إلى التمهل ، إذا ما قدمت هدية للمعارضة حال تدخلها فى سوريا ستوظفها بالتأكيد في المعركة الانتخابية. فيما تريد الإدارة الأمريكية التأكد من عدم التورط في حرب جديدة ، خاصة وأنها بدأت تتنفس الصعداء لاقتراب انتهاء مهمتها في أفغانستان بعد الخسائر والخيبات الكبيرة التي حصدتها هناك ومن قبلها فى العراق ، وما يؤكد ذلك التوجه السيناريو الليبى القريب ، عندما إمتنعت إدارة أوباما عن التدخل المباشر لإنهاء نظام القذافي . ومن هذا المنطلق فإن أي عمل عسكري يقتضي مُسبقاً عدم تدخل قوات برية ، لأن أي عملية انتشار لقوات برية في حرب جديدة تعني المزيد من الخسائر البشرية والمادية، خاصة وأن بعض أجنحة المعارضة السورية المسلحة التى تقاتل ضد نظام بشار الأسد تعتبر معادية للولايات المتحدة ، كما أن الرئيس الأمريكي يريد عملية محدودة جغرافياً وزمانياً، ولا يكون الهدف منها بأي حال من الأحوال إطاحة حكم بشار الأسد، بل الاكتفاء بإضعافه . موقف اوباما ومع إستمرار قرع طبول الحرب على سوريا بصورة متسارعة ، يجد الرئيس الأمريكي باراك أوباما نفسه في موقف حرج ، خاصة بعد التقارير عن استخدام سلاح كيميائي ضد المدنيين والصور المتداولة فى كل وسائل الإعلام بالعالم ، والتي تُظهر مقتل عدد كبير من الأطفال. فأوباما كان قد أعلن أنّ استخدام هذا النوع من الأسلحة يعني تجاوزاً للخط الأحمر، وبالتالي أصبح مُجبراً على التحرك للإيفاء بتعهداته ، فيما تحضّ لندن وباريس الرئيس الأمريكي على التحرك تحت شعار حماية المدنيين، داعمة هذا التوجه بإظهار حماسة شديدة نحو المشاركة في عملية عسكرية لمعاقبة نظام دمشق وتعديل موازين القوى على الأرض . كما أن مصداقية الرئيس الأمريكي باتت على المحك ما لم يتحرك عمليا، لأن أي تردد أو تراجع أو حتى مجرد التذرع بضرورة الحصول على تفويض دولي ، قد يكون له تداعيات سلبية على الدور الأمريكي وصدقيته في ملفات المنطقة المشتعلة ، سواء ما يخص مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، أو البرنامج النووي الإيراني. وعلاوة على ذلك فأن توجيه ضربة الى دمشق يبعث برسائل واضحة إلى طهران تؤكد جدية واشنطن حين تلوّح باستخدام الحلول العسكرية وقدرتها على تنفيذ هذه التهديدات ، كما تكرس لمبدأ سيادة أمريكا فى تلك المنطقة الهامة من العالم ، رغم إعترافها ببعض الحقوق التى تحاول موسكو الحفاظ عليها من خلال دعمها لنظام بشار الأسد. وبغض النظر عن جدول أوباما الزمنى لمعاقبة نظام بشار الأسد ، إلا أن ما تابعه العالم خلال الاسبوع الماضي في سوريا والذى شكل صدمة للضمير العالمي ، يجعل من التدخل العسكرى الأمريكى – الأوروبى ضرورة حتمية لوضع حد لهذا النظام الذى تحدى اي معيار اخلاقي. كما ان المجزرة العمياء بحق المدنيين وقتل النساء والاطفال وغيرهم من الابرياء بواسطة اسلحة كيميائية يشكل وفق وصف وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى " وقاحة اخلاقية " ، تكرس ضرورة محاسبة من استخدموا الاسلحة الاكثر وحشية ضد السكان الاكثر ضعفا في العالم . توقعات بهجمات ومع إستعراض الضرورات المؤهلة والداعمة لتدخل عسكرى غربى فى سوريا سواء بغطاء دولى أو بدون ، فإننا نقف الآن فى إنتظار موعد تنفيذ الهجوم ، أما عند إستعراض المخاطر والتحذيرات المنطلقة من دمشق وموسكو وطهران ، فاننا لا يمكن إستبعاد التدخل العسكرى ، لكننا فقط يمكننا توقع هجمات محددة لأهداف محددة ، دون توسيع نطاق النيران التى يمكن أن يمتد لهيبها لتطال المنطقة بالكامل. فالإدارة الأمريكية لا يمكنها أن تقف الآن أمام خيار البحث عن أثمان لخطوة إلى الخلف ، أى أن واشنطن لن تفكر في التراجع، لكنها تفكر جيداً في تكلفة أيّ خطوة جديدة إلى الأمام ، فالحرب إنْ وقعت قد تقلب الطاولة فوق رؤوس الجميع لأنّ استنفار الجيوش بهذه القوة المتزامنة مع احتكاك سياسي يولد شررا واحتقانا، قد تفتح الباب أمام حرب واسعة لن يستطيع أى طرف تفادى تكلفتها الباهظة. وهنا يمكن رسم سيناريوهات لتدخل عسكرى محدود يهدف إلى إضعاف قدرات النظام السوري ومعاقبته على استخدام الأسلحة الكيميائية، وهذا الهجوم وفقا لتسريبا أمريكية، سيكون عبارة عن هجمات بصواريخ "توماهوك" الموجهة والقادرة على ضرب أهدافها على بعد 2500 كيلومتر، والتي سبق أن استخدمت قبل عامين في الهجوم على ليبيا. كما تشير التسريبات إلى إمكانية توجيه ضربات جوية من الطائرات الأمريكية الموجودة في قاعدة "إنجرليك" الجوية التى تبعد حوالى 100 كيلومتر من الحدود السورية التركية ، أو من الأردن حيث توجد طائرات أمريكية مقاتلة، أو ربما يكون الهجوم مزيجاً من الهجمات الصاروخية والجوية معاً ، تستهدف مصانع الأسلحة الكيميائية ومستودعاتها، إضافة إلى مواقع ومنشآت ومطارات عسكرية ومبان حكومية، وربما بعض قطعات الجيش السورى النظامى. وعلى الرغم من التحذير الذى جاء على لسان وزير الخارجية السورى وليد المعلم خلال مؤتمره الصحفى اليوم الثلاثاء ، إلا أن سيناريو حرب شاملة فى المنطقة يبدو بعيدا عن المنطق ، رغم أن التدخل العسكرى الغربى فى سوريا لن تقبله إيران على الأقل من بين حلفاء نظام بشار. أما بالنسبة لروسيا فان الخيارات المُتاحة أمامها للرد على هذه العملية ليست كثيرة ، فموسكو بالتأكيد لن تخوض حرباً ضد الأطلسي من أجل سوريا ، وهذا ما جاء على لسان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف حيث أكد أن بلاده " لا تعتزم الدخول في أي حرب مع أي كان " من أجل سوريا .