عاجل

أبو الغيط: الدول العربية تحتاج إلى تريليون دولار لإعادة الإعمار

احمد ابو الغيط

قال أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية أنه في السنوات الأخيرة وجدنا العالم كله -شرقه وغربه- يُعيد التفكير في النموذج التنموي الأمثل.


وأكد خلال كلمته اليوم في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السنوي السابع عشر للمنظمة العربية للتنمية الإداري، أن البحث في هذا الأمر صار عنوانًا للكثير من الندوات الأكاديمية والمناقشات الفكرية والمجادلات السياسية، ذلك أن كثيرا من النماذج التنموية القائمة والمستقرة أظهرت ثغرات خطيرة ونقاط ضعف ظاهرة.


وقال: "ليس أدل على ذلك من أن الاقتصادات الغربية -باستثناءات معروفة- ما زالت تتعافى من الأزمة الاقتصادية التي ضربتها منذ ما يقرب من عشر سنوات.. وما زالت معدلات النمو في أغلب هذه الاقتصادات تدور حول الـ 3%، مع نسب بطالة عالية للشباب، وثبات للدخول خاصة في الطبقة الوسطى.. وقد أشارت بعض الإحصائيات إلى أن دخول نحو 80% من الأسر في العالم المُتقدم لم تشهد أي زيادة خلال السنوات الخمس عشرة الماضية".


وأضاف: "أدت هذه الأوضاع كلها إلى مراجعات كثيرة لنماذج تنموية كانت قد اكتسبت -بواقع النجاح الذي حققته - ما يُشبه الحصانة من أي نقد.. وهناك اليوم من يُعيد البحث في مدى أهلية النظام الرأسمالي، بصورته التقليدية القائمة على المبادرة الفردية والنشاط الخاص، في التجاوب مع التحديات الصعبة التي تفرضها الثورة الصناعية الرابعة، التي قد يكون من شأنها تغيير مفهوم العمل ذاته من خلال القضاء على الكثير من الوظائف، ليس فقط تلك التي تعتمد على المهارات الدنيا، وإنما أيضًا ما يعتمد منها على المهارات المتوسطة".


وتابع: "هناك من يشير إلى أن نحو نصف الوظائف التي نعرفها اليوم سوف تختفي في وقت قريب، لصالح الآلات، وأن 30% من المهارات المطلوبة للوظائف اليوم ستتبدل وتتغير خلال عامين لا أكثر".


ونوه بان "العالم العربي بدوره ليس بعيدًا عن هذه التيارات العالمية، وهذه المراجعات والتساؤلات حول عناصر النموذج التنموي الناجح، وبرغم الاختلافات الكبيرة بين الاقتصادات العربية، إلا أن ثمة سمات عامة وخصائص مشتركة تجمعها، على رأسها اتساع مساحة الدور الذي تقوم به الدولة في المنظومة الاقتصادية، وهو ما أفضى في أحيان كثيرة إلى تراجع في الحافز الفردي الذي يُمثل عصب أي ازدهار أو تقدم اقتصادي".


وقال: "كما أدى إلى قدر لا بأس به من الترهل الإداري وتضاعف مشكلات العمالة وتضخمها بالنسبة لحجم الإنتاج، وكلها صارت -للأسف- صفات لصيقة بالكثير من الاقتصادات العربية".


واستطرد: "إن المرحلة الحالية تقتضي، من وجهة نظري، إطلاق شراكة حقيقية ومثمرة بين الحكومات والقطاع الخاص.. فدور الدولة وحضورها في المجال الاقتصادي لا غنى عنه في المنطقة العربية، إذ أن كثيرًا من اقتصادات دول هذه المنطقة اعتمد تاريخيًا على دور قائد للدولة ".


وأضاف:" غير أن التحدي الحقيقي يكمن في كيفية رسم دور للدولة لا يؤدي لخنق القطاع الخاص ومزاحمته والقضاء على الحافز الذي يدفعه للنجاح والابتكار.. ويتمثل التحدي الثاني، وربما الأهم، في خلق علاقة ناجحة بين القطاعين، الحكومي والخاص، تؤدي إلى ازدهارهما معًا".


وأوضح إن الكثير من دول العالم العربي يشهد اليوم عددًا من المبادارات الضخمة التي تقودها الحكومات من أجل فتح آفاق جديدة للاستثمار، وتعتمد هذه المشروعات على حشد هائل لموارد وطنية واستثمارها في البنية الأساسية والمرافق وإنشاء كافة التسهيلات التي تهيء الاقتصادات لاستقبال الاستثمارات الضخمة، وهذه كلها مبادرات محمودة وتصب في الاتجاه الصحيح".


وقال:" ينبغي أن تقترن بتغييرات جذرية في بيئة الاقتصادات العربية، بما في ذلك منظوماتها القانونية والمالية، لتصير أكثر جذبًا للاستثمارات المحلية والأجنبية".


وأضاف: "إن التوازن الدقيق بين دور الدولة في قيادة هذه الجهود التنموية، وبين اتاحتها المجال للمشروعات الخاصة للعمل في بيئة تنافسية يُمثل التحدي الأكبر أمام كثير من الدول العربية، ويقيني أن جلسات مؤتمركم ستتناول القضايا المتعلقة بكيفية تحقيق هذا التوازن من زوايا مختلفة.. وهو موضوع مهم ويحتاج إلى نقاشات مطولة من أصحاب الخبرة في الاقتصاد والإدارة في عالمنا العربي".


وأشار إلى واحدة من القضايا التي أراها ذات أهمية محورية في المرحلة القادمة.. إن بعض مناطق العالم العربي تشهد اليوم عددًا من الصراعات الخطيرة التي أفضت إلى هلاك الإنسان وخراب العمران بصورة غير مسبوقة، وكلنا نُشاهد، في ألم وأسى، ما صارت إليه بعضٌ من أزهى الحواضر العربية من تدمير وتخريب.


وقال: "هناك من يُقدر كلفة إعادة إعمار هذه المدن بنحو تريليون دولار، أعلم أن المدافع لم تصمت بعد، غير أن علينا الاستعداد لمرحلة إعادة الإعمار من اليوم، إن جهود إعادة الإعمار قد تكون فرصة مثالية لجهد عربي متكامل من أجل بناء ما خُرب وجبر ما انكسر، وتجارب التاريخ شاهدة على أن مثل هذه العمليات الكبرى لإعادة إعمار المدن التي دمرتها الحروب كثيرًا ما حملت للمجتمعات والبلدان التي جرت فيها فرصًا للنمو الاقتصادي والتنمية". 


وأضاف: "لا يخفى أن هناك في الخارج من يتأهب للانقضاض على هذه المكاسب المحتملة...ولكن لا ينبغي أن يبني مدن العرب سوى العرب.. إن إدارة عملية إعادة الإعمار بصورة رشيدة ومخططة وتكاملية من شأنها ضخ دماء جديدة في شرايين الاقتصادات العربية.. سواء في القطاعات الحكومية أو القطاع الخاص.. وبما يفتح الباب لشراكة مُثمرة بينهما لإدارة عمليات على هذا القدر من الضخامة والاتساع".


وركز على أن "الاقتصادات العربية تنطوي على إمكانيات هائلة وفرص لا محدودة للنجاح والتفوق، غير أن الأمر يحتاج إلى تبني النموذج التنموي السليم الذي يلائم ظروفنا ويلبي حاجاتنا ولا يخاصم -في الوقت ذاته- المستجدات والتحديات التي يفرضها عصرنا".

اقرأ أيضاً