عاجل

الدين والسياسة (2)

ثبت في المقال السابق أن الإسلام " دين ودولة " ، " عقيدة وشريعة " ، وأن الإسلام والسياسة لا ينفصلان أبداً . فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كانت بنو إسرائيلَ تسوسهم الأنبياءُ، كلما هلك نبيٌّ خلفه نبيٌّ، وإنه لا نبيَّ بعدي ) متفق عليه . فقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة والسياسة معاً ، ومن ذلك : - بناء دولة المدينة . - المصالحة الوطنية بين الأنصار ثم الوحدة مع المهاجرين . - إرساء الشورى . - قيادة الجيوش ، وبعث السرايا . - إبرام المواثيق ومعاهدات الصلح والتحالف . - تعيين القضاة . - بعث المفاوضين . - مخاطبة الملوك والزعماء . - إرسال السفراء . - تعيين الولاة ....... إلخ . بيد أن النبي صلى الله عليه وسلم مارس السياسة بأخلاق الإسلام " السياسة الشرعية" (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) سورة القلم آية 5 . وقد سار على هذا النهج الخلفاء الراشدون فمن بعدهم إلى أن ظهرت دعوى فصل الإسلام عن السياسة بعد سقوط الدولة العثمانية . وقد روى الترمذي بسند حسن صحيح عن العرباض بن سارية رضى الله عنه مرفوعاً : (فإنه مَنْ يَعِشْ منكم بعدي فسَيَرَى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتِي، وسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِييْنَ مِنْ بَعْدِي ) . ويكفى أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُدفن بعد موته حتى اتفق المسلمون على تولية الخليفة أبو بكر الصديق رضى الله عنه في سقيفة بنى ساعدة . إن دعوى فصل الإسلام عن السياسة في الأساس هدف استعماري ، وثمرة من ثمرات التغريب الفكري للمسلمين ، رغم أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية " الثيوقراطية " في المفهوم الغربي . وقد روى البخاري ومسلم عن أبى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لتتبعن سننَ من قبلكم شبرًا بشبرٍ ، وذراعًا بذراعٍ ، حتى لو سلكوا جحرَ ضبٍّ لسلكتموه . قلْنا : يا رسولَ اللهِ ، اليهودُ والنصارى ؟ قال : فمن ؟ ) . ولكن هناك إشكالية في المسألة ظهرت في الممارسة الحديثة بعد ما سُمى بالربيع العربي ، ففي مصر بعد ثورة 25 يناير 2011 أدى التفسير الخاطئ لبعض النصوص الدينية لدى بعض الفصائل الإسلامية ، لتطرف في السلوك السياسي أو السلوك العام ، فتمت مقابلة هذا التطرف الفكري بتطرف مضاد يدعم فصل الإسلام عن السياسة . ومن أبرز مظاهر هذه الإشكالية تصوير مظاهرات 30 يونيو 2013 بأنها ضد الإسلام ، وليست خلاف سياسي بين فريقين ، رغم وجود قلة تعادى الإسلام فعلاً ، مع عدم الاعتراف بأخطاء النظام . ومما زاد الطين بلة نسبة الحوادث التي لا يقرها صحيح الإسلام للفصيل الإسلامي ، كالمحاولة الفاشلة لاغتيال وزير الداخلية ، وقتل جنود الجيش والشرطة بسيناء . إن حل هذه الإشكالية يكمن في وضع ضوابط للممارسة السياسية ، لا تمس أصل الحق ، مثل منع وتجريم الممارسات الحزبية والانتخابية على المنابر الدينية ، ووضع عقوبات تعزيرية رادعة لمرتكبيها ، مع الاهتمام بنشر الفكر الصحيح ، وعدم الإقصاء ، أو الاعتماد على الحل الأمني وحده . وللحديث بقية .