عاجل

رسالة إلي المسئولين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقبل أن أبيِّن الرسالة... أريد أن أبيِّن: مَن المسئولين؟! فلم أقصد بها فقط الذين تبوءوا مناصب ووظائف في الدولة وحدهم، بل أعني بها أصل معناها، وهي مَن سوف يسأله الله يوم القيامة عما عمل في حياته؛ فهي إلى كل المكلفين لأنا إلى الله راجعون، ومَن رجع فإنه موقوف، ومَن وُقف فإنه مسئول، فأعدوا للسؤال جوابًا فإنكم مسئولون شئتم أم أبيتم، وإن كان مَن تبوءوا مناصب -خصوصًا العليا- مسئوليتهم أعظم بكثير مِن مسئولية غيرهم، فإنهم يُسألون عن أنفسهم، وعن غيرهم، وعن أماناتهم، وأمانات رعيتهم. وأبدأ برئيس الجمهورية، ثم رئيس الوزراء، ثم الوزراء، ثم كل مَن تحتهم، وأخصُّ القضاة ومَن بكلمة منه قد تذهب حياة إنسان أو يقضي من عمره في السجون ما شاء الله. وأخص القادة العسكريين مِن الجيش، والضباط والجنود من الشرطة، فبكلمة واحدة قد تسفك دماء وتزهق أرواح. وأخص الساسة وقادة الطوائف: فبقراراتهم تُقاد الأمة إلى الحق والعدل، والرخاء والسعة، والنجاة في الدنيا والآخرة، أو تقاد إلى الاحتراب والاقتتال، والضيق والظلم والظلام، وأحيانًا الكفر والنفاق والفسوق، وإلى هلاك وضياع الدنيا والآخرة. وأخص أصحاب الكلمة من الإعلاميين: الذين ابتلوا في هذا الزمان أن كلماتهم بمجرد نطقهم -وقد تكون كذبًا وزورًا- تبلغ الآفاق فيُشرشر شدق أحدهم في قبره إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه بالخطاطيف كما أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-(1). وأخص أهل الفتيا: في الدين والعلم، والخطابة والدعوة، وقادة الجماعات الذين يُخرج الله بهم -إن اهتدوا بالحق وعملوا به- الناس من الظلمات إلى النور؛ وإلا كانوا أول مَن تُسعر بهم النار يوم القيامة. وأخص كل مواطن مصري له عليَّ حق المواطنة -بحق وليس بالشعار الذي يُراد به الباطل- وحق الجوار في أرضنا المباركة. أقول: ابتداءً هذه الرسالة ليست مني، بل هي رسالة حملها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مِن رب العالمين، خالق السماوات والأرضين، إله الأنبياء والمرسلين؛ حيث قال فيما يرويه عن ربه -تعالى-: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلا تَظَالَمُوا) (رواه مسلم)، ويتضاعف خطر الظلم في الأشهر الحرم التي نحن فيها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة:36). والخطر الذي يتهدد مجتمعنا بسبب انتشار الظلم هو خطر الهلاك: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) (إبراهيم:13). وهو خطر الإضلال عن كلمة التوحيد ولا إله إلا الله محمد رسول الله: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (إبراهيم:27). وهو خطر التأخير ليوم تشخص فيه الأبصار ثم الأخذ بأشد العذاب: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ . مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) (إبراهيم:42-43). وخطر الإملاء: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102) (رواه البخاري ومسلم). واعلموا جميعًا إخوة الوطن وشركاءه أن الرحيل قريب، وأن الدنيا كساعة من النهار نتعارف بيننا والموت يأتي بغتة، فنحن لا نملك حياتنا؛ فكثير ممن تحملوا المسئولية، بل أكثرهم على حافة القبر أو -على الأقل- قد مضى من العمر أكثر مما بقي -والله أعلم-، والقبور على ما فيها هي كساعة: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ) (الروم:55). فويل لديان الأرض من ديان السماء! والله إني أخاف عليكم يوم التناد، يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم، ومن يضلل الله فما له من هاد. إن مظاهر الظلم في بلادنا ومجتمعنا قد كثُرت وعظمت، ولابد من وقفة منا جميعًا لمنعها وتقليلها وإنشاء دولة العدل والحق، وإن أعظمها: "محاربة شريعة الله" والرغبة عنها إلى ما سواها، وإن لم يقْدر الأكثرون أن يصرِّحوا بالمحاربة، ولكن أرادوا الفرار من الدين إلى نار آراء البشر ومواقفهم وقوانينهم، وكفر مَن كفر، وإلحاد مَن ألحد منهم فأنكر شرع الله أو أبى أو استكبر عنه. وإن أعظم مظاهر الخطر في هذا الباب: أمر دستور الأمة وعقدها الاجتماعي؛ لأن أثره يقع على ملايين عشرات السنين. وإن من مظاهر الظلم في مجتمعنا: الاستهانة بسفك الدم، وحمل السلاح على الناس، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا) (رواه البخاري ومسلم)، وقد عظَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- حرمة دم المسلم فقال: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا) (رواه مسلم). قاله يوم عرفة، ويوم النحر في البلد الحرام؛ فهل آن لنا أن نتوقف عما يؤدي إلى الصدام بين أبناء الأمة، وسفك دماء شبابها ورجالها ونسائها؟! هل آن لنا أن نتوقف عن الصدام بيننا، ونتجه إلى بناء وطننا وبناء صلح حقيقي نطوي فيه صفحة هي من أشد صفحاتنا ألمًا؟! لابد لنا من العفو عما نظنه من حقوقنا؛ ليجبر الله كسرنا ويعفو عنا: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) (النور:22). ومن مظاهر الظلم في مجتمعنا: الاتهام بالباطل بلا بينة، وتلفيق التهم، وسرعة إصدار الأحكام دون تروٍ وتثبُّت؛ مع يقيننا بانتشار الفساد والفسوق، فاتقوا دعوة المظلوم فإن الله لا يردها "ولو مِن كافر!"، ولا تستهينوا بحبس إنسان ظلمًا "ولو ساعة"؛ فكيف بشهور وسنوات؟! فكيف بالجرح والضرب والتعذيب والتنكيل؟! ويل لديان الأرض من ديان السماء! وهذا أخص الناس به القضاة، ورؤساء النيابة ووكلاؤها، وضباط وجنود الشرطة الموكلون بالتحريات والضبط والسجون والتحقيقات، وأخطر ذلك: العقوبات الجماعية والتهم الجماعية لطائفة بعينها دون تثبت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات:6)، (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الأنعام:164). ومن مظاهر الظلم في مجتمعنا: نشر الكراهية والعداء، وتشويه الصورة بالكذب والاستهزاء بالناس والسخرية منهم، والخوض في أعراضهم، وأخص الناس بهذا الإعلاميون والصحفيون وأصحاب صفحات الفيس. وأشد الجرائم خطرًا في هذا: التكفير والحكم بالنفاق، وأشده ما يترتب عليه استحلال سفك الدم، وأعظم ما يكون من قتل عشوائي ناشئ عن بدعة ضلالة في تكفير المسلمين أو طوائف بعمومها منهم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ) (رواه البخاري)، وكذا من الظلم استباحة دماء المعاهدين والمستأمنين وأموالهم بلا سبب أو جريرة. ومن مظاهر الظلم في مجتمعنا: تضييع الأمانات، وأكل أموال الناس العامة والخاصة بالباطل، وتدمير مصالحهم وتعطيلها، والرياء، والرشوة، وأذية الناس وتضييع حقوقهم في صحتهم، وتعليم أبنائهم، وإطعام جائعهم وكسوة عاريهم؛ حتى نظافة شوارعهم فهي مِن حقوقهم. ولو تتبعنا مظاهر الظلم لوجدناها فوق أن نحصيها، لكن هذه تذكرة وموعظة لنفسي ولإخواني في هذه الأيام المباركة في الأشهر الحرم؛ عسى أن ندرك فضلها، ونعرف حرمتها.