عاجل

شريف طه يكتب .. اعرف ابن تيمية 2

ابن تيمية طاقة تسامح نادرة الوجود، رغم كثرة ما تعرض له من الأذى والاضطهاد بسبب أفكاره الإصلاحية والتجديدية على يد المتعصبة الذين عجزوا عن منازلته في ساحة الحجاج والجدال، فاحتموا ببطش السلطان.. يحكي ابن القيم عنه فيقول :

( كان يدعو لأعدائه، ما رأيته يدعو على واحد منهم، وقد نعيت إليه يوماً أحد معارضيه الذي كان يفوق الناس في إيذائه وعدائه،فزجرني، وأعرض عني، وقرأ : "إنّا لله وإنا إليه راجعون" وذهب لساعته إلى منزله، فعزى أهله، وقال : "اعتبروني خليفة له ، ونائباً عنه، وأساعدكم في كل ما تحتاجون إليه" وتحدث معهم بلطف وإكرام بعث فيهم السرور، فبالغ في الدعاء لهم حتى تعجبوا منه).

ومن أعجب مواقفه في ذلك، أن الأمير بيبرس الجاشنكير قاد انقلابا على الناصر بن قلاوون بمساعدة عدد من العلماء الذين اوشوا بابن تيمية وسجن بسببهم، ثم تمكن الناصر بن قلاوون من استعادة الحكم، ورغب في الانتقام من العلماء الذين أيدوا الانقلاب عليه، فاخرج ابن تيمية من السجن معززا مكرما، وحاول استصدار فتوى منه بقتل هؤلاء العلماء، وكانت فرصة لابن تيمية للانتقام منهم وهم الذين آذوه وسجنوه، وهم قبلها من خصومه الفكريين من أهل البدع، ولكنه كان عالما حرا شريفا نبيلا عصيا على التسييس والاستخدام، فقال للسلطان : (إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم من العلماء الأفاضل!)

فيرد عليه السلطان متعجبا متحيراً : لكنهم آذوك وأرادوا قتلك مرارا ؟!

فقال ابن تيمية: من آذاني فهو في حل، ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه، وأنا لا أنتصر لنفسي !

وما زال ابن تيمية بالسلطان يقنعه أن يعفو عنهم ويصفح، حتى استجاب له السلطان فأصدر عفوه عنهم وخلى سبيلهم !!

ومن اعجب مواقفه في ذلك أنه اجتمع عليه مرة مجموعة من الغوغاء المتعصبة لقول شيوخهم، فضربوه واهانوه في احد الجوامع في مصر، فبلغ ذلك أخاه شرف الدين ومجموعة من انصاره، وتتابع الناس وقال له بعضهم يا سيدي قد جاء خلق من الحسينية ولو أمرتهم أن يهدموا مصر كلها لفعلوا

فقال لهم الشيخ: لأي شيء؟ قال لأجلك..

فقال لهم : هذا ما يحق!

فقالوا :نحن نذهب إلى بيوت هؤلاء الذين آذوك فنقتلهم ونخرب دورهم فإنهم شوشوا على الخلق وأثاروا هذه الفتنة على الناس.

فقال لهم: هذا ما يحل.

قالوا فهذا الذي قد فعلوه معك يحل؟!

هذا شيء لا نصبر عليه ولا بد أن نروح إليهم ونقاتلهم على ما فعلوا..

والشيخ ينهاهم ويزجرهم

فلما أكثروا في القول قال لهم: إما أن يكون الحق لي أو لكم أو لله؛ فإن كان الحق لي فهم في حل منه، وإن كان لكم فإن لم تسمعوا مني ولا تستفتوني فافعلوا ما شئتم، وإن كان الحق لله فالله يأخذ حقه إن شاء كما يشاء!!

قالوا: فهذا الذي فعلوه معك هو حلال لهم

قال :هذا الذي فعلوه قد يكونون مثابين عليه مأجورين فيه!!!

قالوا فتكون أنت على الباطل وهم على الحق فإذا كنت تقول إنهم مأجورين فاسمع منهم ووافقهم على قولهم؟

فقال لهم: ما الأمر كما تزعمون، فإنهم قد يكونون مجتهدين مخطئين، ففعلوا ذلك باجتهادهم والمجتهد المخطىء له أجر!!

رحم الله شيخ الإسلام..كان إماما في التسامح وهضم النفس.. سلام على ابن تيمية في العالمين.