عاجل

شريف طه يكتب .. اعرف ابن تيمية 3

حينما قدم المغول بعد إسلامهم ( ولم يكونوا قد حسن إسلامهم) لغزو بلاد الشام، حصلت حالة ارتباك داخل الأمة الإسلامية في مواجهة هذا الغزو الذي يشنه أناس مسلمون، فلا هم كفار أو مرتدون بعمومهم، ولا هم بغاة خرجوا على الإمام؛ لأنهم لم يدخلوا في طاعته أصلا، فما هو المستند الشرعي لقتال هذه الطائفة؟ هنا جاء دور ابن تيمية العظيم وفتواه التاريخية بتوصيف هذه الطائفة وذكر المستند الشرعي لوجوب قتالهم بل وحث الناس والأمراء وقيادات الدولة على مواجهة هذا الخطر الداهم بل وشارك بنفسه -وهو العالم العابد الزاهد-في معركة "شقحب" ضد المغول.. كان موقف ابن تيمية هنا - بالتعبير المعاصر - موقفا وطنيا داعما للدولة ضد الأخطار الخارجية، مدعما لحكامها مجيشا للأمة موحدا لها رغم التدافع الفكري والعقدي المعروف حينها.
يحكي ابن كثير في تاريخه وقائع ذلك في أحداث سنة ٧٠٢ :
"وقد تكلم الناس في كيفية قتال هؤلاء التتر من أي قبيل هو؟ فإنهم يظهرون الإسلام ، وليسوا بغاة على الإمام ، فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه ، فقال الشيخ تقي الدين [ابن تيمية]
: هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على علي ومعاوية ، ورأوا أنهم أحق بالأمر منهما ، وهؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين ، ويعيبون على المسلمين ما هم متلبسون به من المعاصي والظلم ، وهم متلبسون بما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفة ، فتفطن العلماء والناس لذلك ، وكان يقول للناس : إذا رأيتموني من ذلك الجانب وعلى رأسي مصحف ، فاقتلوني ، فتشجع الناس في قتال التتار ، وقويت قلوبهم ونياتهم ، ولله الحمد"
وقال أيضا :" ووصل التتر إلى حمص ، وبعلبك ، وعاثوا في تلك الأراضي فسادا ، وقلق الناس قلقا عظيما ، وخافوا خوفا شديدا..
وقال الناس : لا طاقة لجيش الشام مع هؤلاء المصريين بلقاء التتار لكثرتهم ، وإنما سبيلهم أن يتأخروا عنهم مرحلة مرحلة ، وتحدث الناس بالأراجيف.
فاجتمع الأمراء يوم الأحد المذكور بالميدان الأخضر ، وتحالفوا على لقاء العدو ، وشجعوا أنفسهم ، ونودي بالبلد أن لا يرحل أحد منه ، فسكن الناس...
وتوجه الشيخ تقي الدين ابن تيمية إلى العسكر الواصل من حماة ، فاجتمع بهم في القطيفة ، فأعلمهم بما تحالف عليه الأمراء والناس من لقاء العدو ، فأجابوا إلى ذلك ، وحلفوا معهم ، وكان الشيخ تقي الدين ابن تيمية يحلف للأمراء والناس : إنكم في هذه الكرة منصورون على التتار ، فيقول له الأمراء : قل إن شاء الله ، فيقول : إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا"
وقال أيضا :
" وفي يوم الاثنين رابع الشهر رجع الناس من الكسوة إلى دمشق فبشروا الناس بالنصر . وفيه دخل الشيخ تقي الدين ابن تيمية البلد ومعه أصحابه ، من الجهاد ، ففرح الناس به ، ودعوا له ، وهنئوه بما يسر الله على يديه من الخير ، وذلك أنه ندبه العسكر الشامي أن يسير إلى السلطان يستحثه على السير إلى دمشق ، فسار إليه ، فحثه على المجيء إلى دمشق بعد أن كاد يرجع إلى مصر ، فجاء هو وإياه جميعا ، فسأله السلطان أن يقف معه في معركة القتال ، فقال له الشيخ : السنة أن يقف الرجل تحت راية قومه ، ونحن من جيش الشام لا نقف إلا معهم ، وحرض السلطان على القتال ، وبشره بالنصر ، وجعل يحلف له بالله الذي لا إله إلا هو إنكم منصورون عليهم في هذه المرة ، فيقول له الأمراء : قل إن شاء الله ، فيقول : إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا ، وأفتى الناس بالفطر مدة قتالهم ، وأفطر هو أيضا ، وكان يدور على الأطلاب والأمراء فيأكل من شيء معه في يده ، ليعلمهم أن إفطارهم ليتقووا على القتال أفضل ، فيأكل الناس.. "