عاجل

  • الرئيسية
  • تقارير
  • الرفض السعودي لمقعدها بمجلس الأمن .. الدلالات والرسائل والبدائل

الرفض السعودي لمقعدها بمجلس الأمن .. الدلالات والرسائل والبدائل

ما بين التأييد الكامل من جانب بعض الدول العربية والغربية للموقف السعودي، ودعوة البعض الآخر لها للتراجع عن قرارها برفض مقعد مجلس الأمن، تتوالى ردود الأفعال العربية والدولية والمتابع لردود الفعل العالمية يتأكد من أن هناك محاولة دولية، سواء داخل الأمم المتحدة أو بين القوى الكبرى، لاحتواء القرار السعودي، ومصطلح "احتواء" يعني أن يكون حالة فردية غير قابلة للتكرار؛ لأنه لو انتقل الموقف السعودي بالعدوى الدولية خارج إطار المملكة فستفقد المنظمة الدولية جزءا من شرعية وجودها باعتبارها منظمة لا تتمتع بالاستقلال النسبي عن دولها الكبرى، وإنما هى أداة طيعة في يد القوى الكبرى إن شاءوا استخدموها وإن شاءوا تجاهلوها. وفي هذه الحالة أمام السعدوية بديلان، البديل الأول هو: بديل "المكسب الأقصى" بأن تعتبر تحركها مقدمة لإصلاح شامل لمجلس الأمن، وستتضامن معها من حيث المبدأ قوى كثيرة وكبيرة مثل البرازيل وجنوب أفريقيا ومصر وتركيا والهند واليابان وألمانيا وأندونيسيا. والعائد الأكبر في البديل هو أن تكون المملكة رائدة "الفعل" الدولي وليست فقط رائدة "المناشدة" الدولية من أجل إصلاح مجلس الأمن. ولا شك أن وجود موجة دولية تطالب بهذا المكسب الأقصى سيخلق أزمة كبيرة للقوى الكبرى؛ فقد أثبتت الأحداث التاريخية أن دولا كبرى مثل الولايات المتحدة والهند وحلفائهما سعت لأن تنضم الصين إلى الأمم المتحدة رغم ما بين الدولتين والصين من عداء شديد في أعقاب الثورة الشيوعية، لأن الصين بعيدا عن الأمم المتحدة ستكون بلا تمثيل دولي أو خضوع لأي معايير في قراراتها أو سلوكها الخارجي أو الداخلي. أما أن تدخل في دائرة "المواطنة الدولية" فهذا سيعني إمكانية محاسبتها في ضوء القانون الدولي بعيدا عن ظلمة الفوضى السياسية. وإذا بدا أن الموقف السعودي هو جزء من ترتيبات أكبر لضمان مجلس أمن أكثر عدالة في بنيته وفي توجهاته، فإن القوى الكبرى ستكون أكثر استعدادا لأن تأخذ هذه المطالب بجدية تامة. وتبعا لكل موقف دولي حاشد على هذا النحو، تكلفته وضغوطه التي ستنشأ عنه. البديل الثاني هو: بديل "المكسب المحدود" بأن تصل رسالة قصيرة لكنها بليغة بأن "مجلس إدارة العالم" قصر في معالجة بعض الأزمات الإقليمية المرتبطة بالشرق الأوسط ورفع شعارات لم يلتزم بها وظل أسيرا لحسابات مصلحية ضيقة لدوله الكبرى وتظل المحن والمعاناة العربية بعيدة عن المهمة الأصلية للمجلس المسئول عن حفظ السلم والأمن الدوليين. ويؤكد محللون أن القرار السعودي ليس موجها حصريا لمجلس الأمن، وإنما موجه قبل ذلك إلى واشنطن، إذ يبدو وكأنه صرخة احتجاج مدوية على التغيرات التي بدأت أخيرا تحصل بشكل تراكمي في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، وأن هذه السياسة بدأت تأخذ منحى لا يبدو أنه يتسع كثيرا لمصالح حلفاء أمريكا، وبخاصة السعودية، واعتباراتها السياسية في المنطقة. إلا أن أكثر ما أثار احتجاج الرياض هو موقف إدارة أوباما من الأزمة السورية، واختزال هذه الأزمة في موضوع السلاح الكيماوي السوري، وتجاهل أبعادها ومخاطرها الأخرى في الجزيرة العربية، وتأثير ذلك على المصالح السعودية. في هذا السياق، لا تعطي إدارة أوباما أهمية للأزمة السورية ولا لمنطقة الخليج إلا من زاوية واحدة وهى الأمن الإسرائيلي، ولهذا اكتفت بتسليم النظام السوري لسلاحه الكيماوي، بل إن الأسوأ هو أن هذه الإدارة تستخدم الأزمة السورية كورقة تفاوضية في محاولتها التفاهم مع إيران، وإعادة صوغ علاقة واشنطن معها بمعزل عن اهتمامات العالم العربي، وتحديدا بمعزل عن العلاقة مع السعودية. ويرى هؤلاء المحللون أن السعودية كانت ماضية في ترشحها، وكانت تريد أن تدخل مجلس الأمن، وفي الوقت نفسه كانت تجري حوارات وتفاهمات مع واشنطن حول التحولات الكبيرة في سياساتها، وانعكاسات ذلك على المنطقة، وخصوصا عليها، وعندما لم تصل هذه التفاهمات إلى شيء يردم هوة الخلافات، ويغير التبعات السلبية لتحولات السياسة الأمريكية، رأت الرياض أن قبولها لعضوية مجلس الأمن لن يكون له التأثير السياسي الذي تطمح إليه. فقد كان من الممكن التعايش مع التعنت الروسي في المجلس حيال الأزمة السورية، لكن التفاهم الأمريكي ـ الروسي حول هذه الأزمة، ونجاح روسيا باختزال الأزمة بالسلاح الكيماوي، وقبول واشنطن بذلك، ثم الانفتاح الكبير والمفاجئ بين واشنطن وطهران، جعل السعودية تعتبر أنه لم يعد هناك معنى ذو قيمة لدخولها مجلس الأمن في هذه اللحظة، والسبب أنه في ضوء التطورات الأخيرة ستكون هناك تفاهمات مسبقة بين الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن فيما يتعلق بالأزمة السورية والقضية الفلسطينية، وهو تفاهم سيهمش دور الأعضاء غير الدائمين في شكل غير مسبوق. إلى جانب ذلك، فإن قبول السعودية بعضوية مجلس الأمن في هذه الحال سيضعها في مسار تصادمي حتمي ومباشر مع واشنطن حول قضايا استراتيجية بالنسبة لكل منهما، وفي مقدمة ذلك الأزمة السورية، والملف النووي الإيراني، والقضية الفلسطينية. وقد فجر قرار السعودية بالاعتذار عن العضوية المؤقتة في مجلس الأمن، قضية إصلاح ليس فقط مجلس الأمن وإنما إصلاح الأمم المتحدة برمتها، حيث قدمت خارطة طريق تقوم على ستة أسس تهدف إلى إصلاح المجلس وترميمه بما يتناسب والأحداث الجارية. فالسعودية ترى أولا أن أي تغيير في هيكلية مجلس الأمن يجب أن يكون الهدف الأساسي منه هو تعزيز دور المجلس في المحافظة على الأمن والسلم الدوليين، وثانيا التأكيد على أن أي تغيير في هيكلية المجلس يجب أن يعكس الواقع الحالي والتطورات والمستجدات التي حصلت على الصعيد الدولي، ويراعي التمثيل الجغرافي العادل والمتوازي للدول الأعضاء ويحافظ على فعالية وقدرة المجلس على أداء واجباته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. والأساس الثالث من الخارطة هو اعتبار أن عملية الإصلاح يجب أن تأخذ في الحسبان ترابط القضايا الأساسية الخمس وهى: فئات العضوية، حق النقض، التمثيل الإقليمي، وحجم المجلس الموسع، وأساليب عمل المجلس، وأخيرا العلاقة بين مجلس الأمن والجمعية العامة بهدف أن يكون المجلس أكثر تفاعلا مع إرادة الجمعية العامة. والأساس الرابع هو التأكيد على أن مهمة مجلس الأمن الأساسية يجب أن تكون منع حدوث نزاعات وصراعات دولية والعمل على تفادي حدوثها، وليس فقط التعامل معها بعد حدوثها، ولهذا فإن أي تغيير في هيكلية المجلس يجب أن يهدف إلى تفعيل دور المجلس لمنع وقوع النزاعات والحروب قبل حدوثها وقبل أن تتفاقم وتتسبب في إزهاق الأرواح وتدمير الممتلكات وهدر مقدرات العالم، وتعريض الأمن والسلم الدوليين للخطر. والأساس الخامس هو تجنب اتخاذ قرارات أحادية الجانب من قبل الدول الأعضاء في المجلس في التعامل مع النزاعات الدولية مهما كان حجمها، والحرص على العمل بشكل جماعي تحت مظلة مجلس الأمن، والتصرف بموجب قراراته والعمل على تنفيذها، بالإضافة إلى إلزام جميع الدول بذلك على قدم المساواة دون انتقائية، والبعد عن أسلوب الكيل بمكيالين، والمعايير المزدوجة، حفاظا على هيبة الأمم المتحدة وضمان استمرارية مصداقيتها وفاعليتها، وأخيرا إذا كان التوجه هو معالجة الهيكلية فقط دون التعرض للقضايا الموضوعية ومن بينها على سبيل المثال المطالبة بإلغاء حق النقض، فإن الأهم من ذلك كمرحلة أولية هو التأكد من أن حق النقض لا يستعمل بالنسبة لقرارات لاحقة لقرارات سبق أن اتخذها المجلس. وعلى أية حال يمكن القول إن إصلاح مجلس الأمن بشكل خاص والأمم المتحدة بشكل عام هى عملية شاملة ومتكاملة، لأن إحداث إصلاح جزئي لن يؤثر بشكل كاف في قدرة الأمم المتحدة على القيام بالدور المأمول منها على مواجهة التحديات خصوصا في ظل ما يشهده النظام الدولي من متغيرات متسارعة، وبات من الضروري أن تشارك جميع التيارات والثقافات والحضارات والمنظمات الإقليمية في الجهود الرامية إلى تحديد ملامح دور مجلس الأمن بهدف تقديم تصور جماعي للشكل الأفضل الذي ينبغي أن يكون عليه. ولكي يكون مجلس الأمن معبرا عن إرادة المجتمع الدولي يجب أن لا يكتسب حق الاعتراض فاعلية إلا إذا مورس من أعضاء عديدين وليس عضو واحد كما هو حاصل الآن، كما يجب تقليص استخدام هذا الحق بوضع حدود متفق عليها للموضوعات التي يجوز استخدامه فيها، وكذلك وضع معايير واضحة تبين المسائل التي تعتبر ذات طابع إجرائي والتي لا تستطيع الدول استخدام حق الاعتراض عليه. كما يجب إدراج نص في الميثاق يمكن العضو الدائم من التصويت سلبا دون أن يشكل ذلك استخداما لحق الاعتراض وهذا سيكون مماثلا لممارسته الراهنة المتعلقة بامتناع العضو الدائم عن التصويت أو عدم مشاركته أو تغيبه عنها، وهو ما يمثل تقليصا فعليا لممارسة حق الاعتراض، كما يجب أن يكون للجمعية العامة الحق أن تطلب الرأي الاستشاري في أية مسألة قانونية من محكمة العدل الدولية، فيمكن للجمعية العامة عند استخدام الفيتو بشكل غير محدد في مجلس الأمن أن تطلب رأي محكمة العدل الدولية في ذلك، ويمثل وجود هذا الاحتمال عائقا أمام الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن من ممارسة حق الاعتراض بشكل لا يتفق ومبادئ وأهداف الأمم المتحدة والقانون الدولي. ولذا بات من الضروري إيجاد إطار مرجعي قانوني أو سياسي يمكن الاستناد إلية لتحديد الخطوط الفاصلة بين الشأن الخارجي والشأن الداخلي وبين ما يعد سلوكا دوليا حميدا، وما يعد خروجا عن الشرعية الدولية.