عاجل

العدالة الانتقالية

يُقصد بمصطلح العدالة الانتقالية Transition justice" " مجموعة التدابيرالقضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر ، وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات. ولا يوجد نموذج جامع مانع للعدالة الانتقالية . وتُعد من العناصر الأساسية المكوَّنة لسياسة العدالة الانتقالية ما يلى : - الملاحقات القضائية، لاسيّما تلك التي تطال المرتكبين الذين يُعتَبَرون أكثر من يتحمّل المسؤولية. - جبر الضرر، الذي تعترف الحكومات عبره بالأضرار المتكبَّدة وتتّخذ خطوات لمعالجتها، وغالباً ما تتضمّن هذه المبادرات عناصر مادية كالمدفوعات النقدية أو الخدمات الصحيّة على سبيل المثال ، فضلاً عن نواحٍ رمزية كالاعتذار العلني أو إحياء يوم الذكرى. - الإصلاح التشريعي والدستوري ، ويتضمن التخلص من ترسانة قوانين الماضي التي شُرِعت من أجل هيمنة النظام السابق على مقدرات الحياة السياسية وكرست لمبدأ إفلات الجناة من الموظفين العموميين من العقاب ، كما يتضمن سن قوانين ودستور جديد يتوافق مع الانتقال إلى الحرية. - إصلاح المؤسسات ، ويشمل مؤسسات الدولة القمعية على غرار القوى المسلّحة، والشرطة والمحاكم، بغية تفكيك – بالوسائل المناسبة – آلية الانتهاكات البنيوية وتفادي تكرار الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والإفلات من العقاب. - لجان الحقيقة ، أو وسائل أخرى للتحقيق في أنماط الانتهاكات المنتظمة والتبليغ عنها، وللتوصية بإجراء تعديلات وللمساعدة على فهم الأسباب الكامنة وراء الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. - تغيير المناهج التعليمية ، لتكون قائمة على ترسيخ قيم الحرية ، وفحص المناهج القديمة لاسيما المتعلقة بالتاريخ وتنقيحها مما قد شابها من تشويه وذلك عن طريق لجنة مستقلة. وقد أضافت دول مختلفة تدابير أخرى كتخليد الذكرى مثلاً، والجهود العديدة للحفاظ على ذكرى الضحايا من خلال إنشاء متاحف، وإقامة نصب تذكارية ، وغيرها من المبادرات الرمزية مثل إعادة تسمية الأماكن العامة، وغيرها . وباتت هذه الوسائل جزءاً مهماً من العدالة الانتقالية في معظم أنحاء العالم. ومنذ سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن تم إقرار مبدأ العدالة الانتقالية في أكثر من ثلاثين دولة حول العالم بما فيهم دول عربية كالمغرب والجزائر ، ودول افريقية كجنوب افريقيا ، ودول أوروبية كرومانيا وبلغاريا والتشيك. ولا تعتبر العدالة الانتقالية نوعاً خاصًّاً من العدالة، إنّما مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الانتقال من النزاع أو قمع الدولة. ومن خلال محاولة تحقيق المحاسبة والتعويض عن الضحايا تقدّم العدالة الانتقالية اعترافاً بحقوق الضحايا وتشجّع الثقة المدنية، وتقوّي سيادة القانون . إن الانتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان لا تؤثّر على الضحايا المباشرين وحسب، بل على المجتمع ككلّ، فمن واجب الدول أن تضمن بالإضافة إلى الإيفاء بهذه الموجبات، عدم تكرار تلك الانتهاكات، من خلال إصلاح المؤسّسات التي كان لها يد في هذه الانتهاكات أو كانت عاجزة عن تفاديها. ومن المؤكد أن تجاهل ذلك سيؤدي إلى انقسامات اجتماعية وسيولّد غياب الثقة بين المجموعات وفي مؤسّسات الدولة، فضلاً عن عرقلة الأمن والأهداف الإنمائية أو إبطاء تحقيقهما. وقد يؤول في نهاية المطاف إلى حلقة مفرغة من العنف بأشكال شتّى. وحتى الأن لا توجد إرادة سياسية حقيقية في مصر لإحداث قطيعة مع ممارسات الماضي ، أو السير في طريق العدالة الانتقالية . ولا يغنى عن ذلك بعض الخطوات المنفصلة التي تهدف إلى تسكين الضغط الشعبي بين الحين والأخر . إن أهم وسائل تحقيق العدالة الانتقالية : - الارادة السياسية . - سيادة القانون . - تدعيم استقلال السلطة القضائية وأعوان القضاة . - إنشاء محكمة متخصصة لمعاقبة جرائم النظام السابق يكون قانون إنشائها متناسب مع المعايير الدولية للمحاكمات العادلة وألا تعد المحكمة المنشأة محكمة خاصة أو استثنائية. - نقل الخبرات الدولية في مجال المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية . - تأهيل خبرات مصرية متخصصة ذات كفاءة في مجالات العدالة الانتقالية المختلفة . - تقديم خبرات لقوى المجتمع المدني والحكومة في مجال العدالة الانتقالية. وقد تضمنت الحكومة المصرية الحالية وزارة للعدالة الانتقالية يتولاها قاض دولي سابق هو المستشار محمد أمين المهدى وحتي الآن لم يلحظ المواطن العادي أي أثر لوجودها ومازالت خارج نطاق الخدمة . ولم تحقق نظم العدالة الانتقالية في الدول العربية نتائج إيجابية ، ويرجع ذلك لعدة أسباب ، أهمها : - الاستقطاب السياسي ، إذ تحول الانقسامات السياسية المحتدمة دون التوافق على إجراءات تحقيق العدالة، لا سيما في الدول التي يحكمها توازن هش بين القوى السياسية . - النزعة الإقصائية، حيث تغلب على آليات العدالة الانتقالية التي تم إقرارها في دول الثورات العربية توجهات إقصائية، هدفها الانتقام من النخب السياسية المرتبطة بالنظم السابقة دون تمييز . - الانقسامات المجتمعية، إذ تزيد الصراعات الاثنية والطائفية والقبلية من العقبات التي تحول دون تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة . - عدالة الحد الأدنى، وتكمن هذه الإشكالية في محاولة بعض نظم الحكم وضع حدود على استحقاقات العدالة الانتقالية، بهدف تفادي إحالة أي من المسئولين السياسيين أو الأمنيين للمحاكمة، حيث يتم الاكتفاء بآليات التحقيقات المستقلة، ومنح تعويضات لأسر الضحايا دون تكريس حقوق التقاضي، وهو ما قد يتسبب في استمرار الانقسامات وفقدان الثقة في إجراءات إقرار العدالة الانتقالية. - تصدع البنية المؤسساتية، فقد ارتبطت الثورات العربية بكشف إشكاليات مؤسسات الدولة وأزمات الثقة فيما تتخذه من إجراءات، بينما لم تنجح الهيئات الموازية التي تم تأسيسها لتحقيق العدالة الانتقالية في إثبات كفاءتها واستقلالها في مواجهة السلطات التنفيذية .