عاجل

  • الرئيسية
  • تقارير
  • صراع الإرادات يحدد مصير "إخوان تونس" ويضع البلاد على مفترق طرق

صراع الإرادات يحدد مصير "إخوان تونس" ويضع البلاد على مفترق طرق

تبدو تونس للمراقب لما يجرى فيها اليوم الأربعاء, أنها فوق صفيح ساخن، يزيد اشتعاله حالة الإستقطاب السياسي غير المسبوقة منذ إنهيار نظام زين العابدين بن على، وتصب الزيت على نيرانه منظومة صراع الإرادات التي فرضها تولى حركة النهضة " إخوان تونس" زمام الأمور، مستفيدة من الحراك الشعبى الذى أطلقه انتحار البو عزيزى حرقا احتجاجا على الظلم. وفى وقت استقبلت قاعات وزارة حقوق الإنسان أولى جلسات الحوار الوطني الذى يعقد بموجب اتفاق خارطة طريق وقعته المعارضة والحكومة في وقت سابق من الشهر الجاري ، تشهد شوارع تونس خاصة شارع الحبيب بورقيبة وباب جديد تظاهرات حاشدة دعت إليها التيارات المدنية الرافضة لحكم النهضة ،وهو ما يلقى بظلال قاتمة على مستقبل الحوار الوطنى. فحالة الحوار الوطنى تتواكب مع ذكرى 23 أكتوبر، الذي جعلت منه الأحزاب السياسية هذا العام مناسبة للحشد الشعبي وتحريك الشارع في اتجاه اليمين واليسار ، حيث توجه نحو مليون ونصف من أفراد الشعب التونسي قبل عامين " 2011 " الى صناديق الإقتراع ـ ومنهم من توجه لمركز الإقتراع لأوّل مرة في حياته ـ ، وكان ذلك التاريخ لحظة فارقة في تاريخ تونس الحديثة ، باعتبار أن انتخابات المجلس التأسيسي كانت حجر الأساس لبناء الجمهورية الثانية ، جمهورية الشغل والحرية والكرامة الوطنية. وتتزامن هذه الذكرى مع انطلاق الحوار الوطني الذي يعدّ الملاذ الأخير للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة بعد أكثر من 3 أشهر من المد والجزر ، بعد ان وجد من غمسوا أصابعهم في الحبر الأزرق ، أنفسهم يدفعون فاتورة الجشع الحزبي وحسابات السياسيين فتبخّرت أحلامهم بالشغل والتنمية والحرية والكرامة الوطنية بين الارهاب وغلاء الأسعار والاغتيالات السياسية . فمثلما رسمت انتخابات 23 اكتوبر 2011 أفقا لمحطة مهمة من المرحلة الانتقالية ، فإنّ الحوار الوطني يجب أن يكون طوق النجاة الذي سيعبد الطريق لاستكمال المرحلة الانتقالية بنجاح ويجنب البلاد الوقوع في المحظور خاصة أن بؤر التوتر التي تتربص بأمنها تتسع يوما بعد يوم. نزول حكومة "النهضة": وتكمن أهمية الحوار الذى لم ينجح إلا بنزول حكومة " النهضة" التى يترأسها على العريض على رغبة باقى القوى الوطنية ، لتهيئة الأجواء لإكمال خارطة الطريق الهادفة لإخراج تونس من النفق المظلم الذى دخلت فيه ، بسبب سياسات " إخوان تونس " الذين باتوا يتحذرون من التجربة المصرية ويعملون على ترميم حكمهم وليس إنهاءه . ومن المقرر أن تشهد جلسات الحوار القادمة بدء المشاورات حول الشخصية الوطنية المستقلة التي ستعهد إليها مهمة تشكيل الحكومة ، والاتفاق على خارطة بشأن استكمال المسار الانتقالي ، وضبط روزنامة الانتخابات الرئاسية والتشريعية ،وإعلانها للرأي العام بعد إمضائها من قبل كل الأطراف ، وإصدارها ضمن قانون يصدره المجلس الوطني التأسيسي خلال جلسة خاصة ، ويتمم التنظيم المؤقت للسّلط العمومية وينقحـه. وتتضمن الخارطة عدة محاور أخرى منها استكمال أعمال المجلس الوطني التأسيسي ، الذى من المقرر أن ينهي عددا من المهام في أجل لا يتجاوز أربعة أسابيع من تاريخ الجلسة الأولى للحوار الوطني وهى ، إنهاء اختيار أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وتركيزها في خلال أسبوع واحد. كما تتضمن مهام المجلس إنهاء إعداد وإصدار القانون الانتخابي في خلال أسبوعين ، وتحديد المواعيد الانتخابية في خلال أسبوعين من إنهاء تركيز هيئة الانتخابات، بالإضافة إلى المصادقة على الدستور في أجل أقصاه أربعة أسابيع مع الاستعانة بلجنة خبراء تتولى دعم وتسريع إنهاء أعماله وجوبا في الأجل المشار إليه. كما تقر خارطة الطريق أن تنطلق بالتوازى المشاورات لاختيار شخصية وطنية مستقلة تكلف بتشكيل الحكومة وتُنهى باختيار رئيس الحكومة الجديدة، وإعلان الاسم في موعد أقصاه أسبوع واحد ، حيث تتولى الشخصية المكلفة إجراء مشاوراتها لتشكيل الحكومة وإنهائها في خلال موعد أقصاه اسبوعان. كما تؤكد خارطة الطريق على إلتزام الأطراف السياسية بمواصلة الحوار الوطني برعاية المنظمات الأربع وعلى رأسها الاإتحاد التونسى للشغل ، كإطار للتفاوض لحل بقية المشاكل الخلافية التي تعيق إتمام المرحلة الانتقالية بنجاح ولإسناد الحكومة في مهامها. سياسة المراوغة: وعلى الرغم من إدراك كل الأطراف السياسية صعوبة المرحلة وحساسيتها ، ورغم صعوبة الظرف الاقتصادي والاحتقان الإجتماعي ، إلا أن أن الفرقاء السياسيين لم يتخلوا عن سياسة المراوغة والتلاعب بالكلمات وسحب البساط ، وهو ما يهدد مسار الحوار الوطنى وإشاعة أجواء من عدم الثقة فى إمكانية إكتمال خارطة الطريق. وتتضارب التوقعات فى هذا الصدد عاكسا صراعا مكبوتا أحيانا وصريحا فى أحيان أخرى ، فهناك من يرى أن مسار الاعداد للحوار الوطني لم يكن يسيرا وسهلا لا على الرباعي الراعي للمبادرة ولا على الفرقاء السياسيين ، ولكن من قطع نصف الطريق نحو التوافق لن يقف عاجزا أمام الوصول إلى خط النهاية مهما كان حجم الصعوبات والعراقيل التي تنتظره . ويؤكد المؤيدون لهذا التوجه المتفائل أن وجود وعي واسع لدى الفاعلين السياسيين الكبار ولدى الرباعي الراعي للحوار، بأنّ الخروج عن مسار التوافق الذي حصل في الختام ومهّد للحوار لن يُعادل إلاّ اللعب بالنّار ولن يُساوي إلاّ دهس المصلحة الوطنيّة بأحذية غليظة ، والتخلي عن روح المسؤوليّة التي يجبُ ألاّ تُفارق أحدا والبلاد تعيش أصعب لحظاتها منذ قيام الثورة. فيما يرجح آخرون يغلبهم الشعور بعدم التفاؤل ويحركم هاجس الخلاص من حكم الإخوان على غرار ما جرى فى مصر ، أن حالة الاستقطاب السياسي في تونس رغم خطورة المرحلة تؤشر إلى عدم وجود نوايا من السياسيين " القادة" للتخلي عن طموحاتهم ، وهو ما يضع العربة أمام الحصان ويعرقل أى محاولة لإنقاذ الموقف ، مما سيؤدى إلى تغليب خيار إنهيار النظام وليس استبدال أطرافه وتوسيع المشاركة فى الحكم. ويدلل هذا الفريق على فرضيته المرجحة للصراع بما ورد فى تصريحات المستشار الاعلامي لرئيس الحكومة حول تصريحات علي العريض حول نية حكومته تقديم استقالتها في غضون 3 أسابيع ، مؤكدا أنّ ما ورد كان "مجتزءا" وأنّ ما صرّح به رئيس الحكومة علي العريض حرفيّا لإحدى وكالات الأنباء العالمية هو أن "الحكومة مستعدة للتخلّي بعد ثلاثة أسابيع من انطلاق الحوار بناء على أن هناك أجندة وخارطة طريق فيها عدة أشياء يجب أن تحصل خلال تلك الأسابيع الثلاثة، وان رئيس الحكومة ملتزم بإنجاح الحوار والعمل على نجاحه والالتزام بما يتم التوافق عليه في اطار تلازم المسارات المتمثلة في أن هذه الحكومة تعوضها حكومة جديدة يتفق عليها في ضوء وضوح الدستور وهيئة الانتخابات وأن تكون الأمور عن طريق الشرعية المتمثلة في السلطة التشريعية حاليا أي المجلس الوطني التأسيسي". ذكري انتخاب المجلس التأسيسي: وليس ثمة شك فى أن 23 أكتوبر الذى يشهد بدء جلسات الحوار الوطنى تزامنا مع تظاهرات تطالب برحيل حكومة " حزب النهضة" ، قد يكون الخيار الوحيد أمام النخبة السياسيّة للتوافق بما يقتضيه ذلك من تنازلات يمكن وصفها بالمؤلمة ونسيان للحساب الحزبي والفئويّ الضيّق . وعلى الرغم مما تعتبره المعارضة مناسبة جيدة لاعادة اسماع صوتها في محاولة متكررة لإسقاط الحكومة ، إلا أن إحياء ذكرى انتخاب المجلس الوطني الـتأسيسي لا يقلّ أهميّة عن حدث انطلاق الحوار الوطني الفعلي وبدء تنفيذ بنود خارطة الطريق . وفى ظل تلك الأجواء التى يغلب عليها عامل الصراع ، تسود حالة من الخوف الشديد المشوب بالحذر ، بانتظار ما ستسفر عنه أحداث اليوم خاصة تلك المسيرات التى حشد لها الفريقان المتصارعان من تيارات إسلامية وأخرى مدنية في نفس التوقيت بنوايا متضاربة. وفيما يسعى الفرقاء السياسيون التونسيون إلى تفادى أسوأ السيناريوهات عبر التوافق حول "خارطة طريق" تقدمت بها منظمات وطنية لإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية تحت إشراف حكومة مستقلة وغير متحزبة ، يرى مراقبون أن هذا الحوار قد يفشل نهائيا ، بسبب إتساع الفجوة بين أحزاب الترويكا الحاكمة والمعارضة المنضوية تحت ما يسمى " جبهة الإنقاذ" . ويزداد التشاؤم بنجاح هذا الحوار بسبب اشتراط جبهة المعارضة الانتهاء من المسار التأسيسي قبل إعلان استقالة حكومة النهضة والبدء في التحاور لتشكيل حكومة كفاءات مستقلة ، وهو أمر شديد الصعوبة فى ظل وجود الدستور الصغير أي القانون المنظم للسلطة المؤقتة الذي شرعه المجلس التأسيسي في أول خطوة له منذ عامين ، ومع استحالة تغييره في ظرف زمني وجيز تكون العودة للمجلس التأسيسي لمباركة الحكومة الجديدة ضرورة حتمية قانونيا وتشريعيا. كما أن "حركة النهضة الحاكمة" التي تمتلك الأغلبية في المجلس التأسيسي بـ 93 عضوا، بالإضافة إلى أكثر من أربعين عضوا من حزبي المؤتمر والتكتل، حليفيها في الائتلاف الحاكم، سيكون بيدها الحل والربط ولها مطلق الحرية في المصادقة على التشكيلة الجديدة للحكومة من عدمها. إلا أن الزخم الشعبى الذى يدعم إرادة راغبة فى الإطاحة بحكم الإخوان فى تونس ، ربما تغير معالم ورموز المعادلة السياسية ، ولعل هذا ما حدا بزعيم النهضة راشد الغنوشى إلى دعوة الفرقاء السياسيين فى السلطة والمعارضة،إلى ما وصفه بتغليب لغة العقل والتنازل المتبادل من أجل المصلحة الوطنية ، داعيا إلى ما وصفه بتفويت الفرصة على كل المتربصين بالتجربة الوليدة فى الداخل والخارج ، وهو ما يؤشر إلى مدى خطورة السيناريوهات المستقبلية للأوضاع التونسية ، فى ظل صراع الإرادات الذى يمكن أن يعيد رسم الخارطة السياسية فى بلد رسم أول مشهد فيما يعرف بالربيع العربى ، لكنه أفاق على كوارث ربما تفوق ما إرتكبه نظام بن على من جرائم بسبب سياسات حكم الإخوان.