عاجل

عقيدات متشابكة ومتداخلة تهدد انعقاد "جنيف2"

تعقيدات متشابكة ومتداخلة يشهدها ملف الأزمة السورية رغم الاتفاق الأمريكي الروسي بشأن الكيماوي السوري، فمازالت المذابح التي يرتكبها النظام السوري مستمرة وكأنه تم اختزال الأزمة في الأسلحة الكيماوية ، وبات الجدل السياسي الآن مطروحاً حول الحل السياسي للأزمة بعيداً عن الحلول العسكرية ويكون ذلك من خلال مؤتمر "جنيف2". ورغم المساعي الدبلوماسية التي يقوم بها المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي في عدة دول بدأها بالقاهرة ثم العراق والكويت وسلطنة عُمان والأردن، وستشمل أيضا إيران وقطر وتركيا وسوريا، كما سيجتمع الإبراهيمي مع مسؤولين أمريكيين وروس في سويسرا في الخامس من شهر نوفمبر المقبل، يتبعه في اليوم نفسه اجتماع يضم الى الإبراهيمي ممثلين عن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لتمهيد الطريق لعقد مؤتمر "جنيف2". إلا أن الأطراف الرئيسية والمعنية بالأزمة مباشرة وهي النظام والمعارضة في سوريا والقوى الكبرى لم تحسم أمرها النهائي بشأن مصير المؤتمر المقرر عقده في النصف الثاني من نوفمبر المقبل. خمس لاءات للائتلاف الوطني: والأمر الملفت للنظر أن ثمة تداخلات وتشابكات في المواقف تزيد من غموض ليس فقط في عقد مؤتمر جنيف من عدمه، وإنما على قدرته وفاعليته في التوصل إلى حل يرضي الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية ويضح ذلك من خلال رصد وتحليل المواقف التالية: أولاً: موقف "الإئتلاف الوطني السوري" والذي قدم خمس لاءات تتعلق بحضور مؤتمر "جنيف2" أمام وزراء خارجية "مجموعة لندن" وضم 11 دولة من مجموعة "أصدقاء سورية" والتي اتفقت على ألا يكون هناك دور للأسد في سلطة انتقالية محتملة.وهذه اللاءات الخمس تتمثل فيما يلي: الأولى، أنه لا مشاركه في المؤتمر إلا إذا كان هدفه الترتيب لخروج الرئيس بشار الأسد من المشهد السياسي ومن الحكم نهائياً، والثانية هو تسليم السلطة إلى حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات وأن يكون "جنيف2" هو تطبيق ما تم الاتفاق عليه في "جنيف1". وزادت حدة هذا الموقف بعد استباق الرئيس الأسد هذه المطالب المتوقعة برحيله وإعلانه أنه لا يرى مانعاً من ترشحه لولاية رئاسية جديدة العام المقبل. والثالثة، أنه لابد من تأمين ممرات إنسانية خصوصاً في المناطق المحاصرة مثل الغوطة الشرقية وحمص القديمة، على أن يُنفّذ هذا المطلب قبل انعقاد مؤتمر "جنيف2"، والرابعة، أن المعارضة لا تقبل مشاركة إيران، لكنها ستقبل مشاركة إيران مرغمة إذا كانت هذه المشاركة كجزء من حضور وفد النظام السوري.، والخامسة، أن قرار المشاركة في المؤتمر أو مقاطعة أعماله سيتخذ في الأول من نوفمبر المقبل خلال انعقاد الهيئة العامة للإئتلاف الوطني السوري في اسطنبول.. فضلاً عن ذلك، يمكن القول أن"الإئتلاف الوطني السوري" ليس هو كل المعارضة السورية في الداخل والخارج. ناهيك عن أنه إذا قرر "المجلس الوطني" الثبات على موقفه الرافض المشاركة من دون ضمانات واضحة، فإنه يجازف ليس بفرط عقد "الائتلاف" فقط، بل بفرط عقده هو أيضاً، ذلك أن نحواً من نصف أعضائه أو أقل بقليل يرغبون في الحضور، والمحصلة الأكيدة حتى الآن أن المؤتمر الدولي ـ الإقليمي سيفاقم الخلافات في صفوف خصوم النظام السوري، الداخليين والخارجيين على السواء. ثانياً: مواقف النظام السوري، فمن الملاحظ أن نظام بشار الأسد مازال مصمم على عمليات القتل ضد المدنيين مستخدماً في ذلك فزاعة القاعدة التي تهدد المصالح الدولية في المنطقة. ورغم إشارة الإبراهيمي أنه قد تحدث مع بشار عن تخليه عن السلطة وعدم ترشحه للرئاسة في عام 2016، إلا أن الرئيس بشار زاد من تعقيد الصورة بقوله في مقابلة تلفزيونية إنه لا يستبعد ترشيح نفسه مجدداً للرئاسة في انتخابات العام المقبل. ثالثاً: المواقف الدولية ومن أبرزها الموقف الأمريكي والروسي والفرنسي والبريطاني، ففي الوقت الذي يؤكد فيه وزير الخارجية جون كيري على تأكيد التزام الأمريكيين بنص "جنيف 1" عام 2012 والذي يدعو إلى إقامة حكومة ذات صلاحيات كاملة تسحب من يدي الأسد، أكد كيري على أمر ثاني وهو طمأنة دول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بدعم المعارضة السورية المعتدلة، حتي يزيل مخاوف هذه الدول من تيارات الإسلام السياسي المتشددة. من جانبها، نوهت فرنسا عن أهمية مشاركة إيران في المؤتمر بشرط قبولها "جنيف1" وحكومة انتقالية تجرّد الاسد من كل صلاحياته، إلا أن طهران أكدت أنها لن تقبل بمشاركة مشروطة كما أنها اعتبرت الرفض الأمريكي لمشاركة الأسد في السلطة "وقحا وغير منطقي". أما بريطانيا، فقد قال وزير خارجيتها وليام هيج في تصريح له على موقع وزارة الخارجية البريطانية، إن مجلس الأمن في الأمم المتحدة تبنى القرار رقم 2118 المطالب بعقد مؤتمر دولي لبحث "قيام حكومة انتقالية في سورية لها صلاحيات تنفيذية كاملة وتضم أعضاء من الحكومة الحالية ومن المعارضة ومن مجموعات أخرى". كما قال هيج إن "من المهم أن تلعب إيران دوراً أكثر إيجابية، ونحن نستخدم القنوات الديبلوماسية المتاحة حالياً فيما يتعلق بقدرتها على التأثير على سورية"، وناقش الوضع فيها مع وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، مشيراً إلى أن "إيران يمكن أن تبدأ من موقف مشابه لبقية الدول الأخرى بشأن تفاهم جنيف في العام الماضي حول ضرورة إقامة حكومة انتقالية بالتراضي في سورية تضم أعضاء من الحكومة والمعارضة، لأن ذلك يمثل الطريق إلى الحوار السياسي والانتخابات الحرة في سورية". أما موسكو فهي راغبة جدا وبشدة، أن تكون إيران على طاولة "جنيف2" في مؤتمر دولي يضم أيضاً المملكة العربية السعودية وأطرافاً اقليمية أخرى الى جانب الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وموسكو بالقدر نفسه من الإصرار على إبعاد قطر عن ملف سورية نتيجة عداء عميق معها بسبب صراعها على الغاز، فالديبلوماسية الروسية تتصرف في هذه المرحلة بثقة بالغة وعلى أساس أن الرئيس السوري باقٍ في السلطة إلى حين الانتخابات الرئاسية بعد سنة. أنها واثقة أن المعارضة في سورية ستزداد تشرذماً وسيتعمق الشرخ داخلها وأن المعارضة نفسها هي التي ستُفشل ذاتها. وعليه، ترى الديبلوماسية الروسية أن بقاء النظام في دمشق شبه مؤكد وأن بقاء بشار الأسد رئيساً بعد انتخابات 2014 وارد جداً. وقد أعرب نائب وزير الخارجية الروسي جينادي جاتيلوف عن استعداد بلاده لإبداء مرونة في ما يخص المواعيد والحضور عندما يتوصل المشاركون الآخرون إلى توافق بشأن كيفية عقد المؤتمر, وتمثيل الحكومة والمعارضة فيه. "جنيف2" يرسم مستقبل المعارضة: ويبقى التأكيد على أن مؤتمر "جنيف2" سيكون محطة مفصلية ستحدد مصير المعارضة السورية ومستقبل العلاقات بين كل من أمريكا وروسيا وعلاقاتهما بالدول الإقليمية الكبرى، فإسرائيل يمكنها أن تطمئن إلى حليفيها الأمريكي والروسي اللذين أزالا خطر الكيماوي السوري، وسيعملان بلا شك على تحييد التهديد النووي الإيراني، أما السعودية وتركيا وقطر، فهي لا تخفي استياءها من الموقف الدولي من الأزمة السورية. وقد عبرت باريس وأنقرة عن تفهمهما لرفض الرياض مقعدها في مجلس الأمن، وتخشى هذه العواصم من مواقف واشنطن وهو أن تواصل إدارة أوباما، النهج على طريقة "الاتفاق الكيماوي"، وتنسج خيوط التفاهم مع موسكو وطهران في ملفات أخرى، بداية من الملف النووي الإيراني مروراً بالملف الأفغاني وخطة الانسحاب الأمريكي منها وصولاً إلى خريطة النظام الدولي في "الشرق الأوسط الكبير" الذي تنشده واشنطن.

اقرأ أيضاً