عاجل

.. وتحكم لهم واقعهم البشري باختلاف مجتمعاتهم

المهندس جلال مرة: الإسلام عقيدة وشريعة ودين ودولة.. والشريعة نزلت لتحمل الناس على الخير

قال المهندس جلال مرة، النائب الأول لرئيس حزب النور، إن الشريعة الإسلامية هي شريعة الله، أنزلها بعلمه وليس له فيها شريك ولا ظهير، كما أنها ثابتة ما دامت الحياة الدنيا شاملة لجميع ما يحتاجه الناس من عقائد وأحكام وشرائع، متوازنة لا اضطراب فيها ولا عوج، موضحًا أن الشريعة نزلت لتحمل الناس على الخير وتحكم لهم واقعهم البشري حسب اختلاف مجتمعاتهم.

وأوضح "مرة" خلال كلمته بالملتقى الدوري لمكاتب المحافظات بالحزب، أن ما أنزله الله من تشريع إنما هو روح ونور وحياة، {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} :"52 الشورى"، مشيرًا إلى أن ما يصنعه البشر من شرائع إنما هو نصوص جامدة لا روح فيها، تلفها ظلمات بعضها فوق بعض.

وتساءل: "أليس من العجيب ألّا يبصر بعض الناس ضوء الشمس والشمس ساطعة ظاهرة ليس دونها غمام، إن العيب في العيون التي يغشاها النهار بضوئه لا في الشمس التي ترسل النور والضياء فتعمر الكون بأشعتها"، موضحًا أن الشريعة إنما هي شمس، وأولو الألباب لا يخفى عليهم نورها، وإنما يعمي نورها أعين خفافيش البشر: "مثل النهار يزيد أبصار الورى نورًا ويعمي أعين الخفاش"، مؤكدًا أن الذين ألفوا الظلام لا يريدون أن يبصروا النور، لأنهم لا يعيشون إلا في الظلام.


وتابع: "خفافيش أعماها النهار بضوئه.. ووافقها قطع من الليل مظلم"، متابعًا: إن الذين ينظرون في هذه الشريعة نظرة خالية من التعصب والهوى، قاصدين التعرف على الحق -لن يجدوا فيها عيبًا، ولن يبصروا فيها نقصًا، وإذا رأى أفذاذ الرجال أن يجدوا فيها شيئًا من ذلك، فإن البصر ينقلب خاسئا وهو حسير، " الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ{3} ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ{4}، لافتًا إلا أن السموات السبع صنع الله، وصنع الله لا عيب فيه، والشريعة أمر الله، والله هو صاحب الخلق والأمر" ألا له الخلق والأمر" الأعراف 54ـ، مضيفًا أنه لن يجد البصر في صنع الله عيبًا، ولن يجد الفكر في أمر الله قصوراً،" وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) الأنعام.


وأكد "مرة" على أن شريعتنا كلها محاسن، وكيفما تأمل فيها المتأمل فإنه واجدها كما قال الشاعر: (المتنبي) كالبدر من حيث التفت رأيته.. يهدي إلى عينيك نوراً ثاقبا لقد أتم الله هذه الشريعة المباركة، وحاول الكفار الذين أعمى ضوء الشريعة أعينهم أن يكيدوا لهذه الشريعة أن يطمسوا أضواءها، ولكن أنّى تستطيع الأفواه الضعيفة أن توصل زفيرها إلى الشمس في عليائها، "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون"- 8 "الصف"، وقد تحطمت مؤامرات الكفرة على صخرة الإسلام القوية الراسخة، ولكن أعداء الله وقد أعياهم أن يطمسوا نور الشريعة الوهاج المتلألئ انصرفوا إلى المسلمين، وشنوا الغارة على العالم الإسلامي، وجلبوا على المسلمين بخيلهم ورجلهم، وحشدوا كل قواهم، موضحًا أن الكفار في الماضي ردوهم المسلمين على أعقابهم، ولكنهم نالوا في القرنين الأخيرين من المسلمين منالًا، فبعد أن سيطر أعداء الله على ديار الإسلام، حجبوا بالشبهات نور الإسلام فغشي ظلام الباطل على عقول كثير من المسلمين، منبهًا على ضرورة تأكيد الثقة في نفوس أبناء المسلمين بهذه الشريعة وإزالة الغشاوة التي حجبت نور الإسلام أن يضيء نفوس المسلمين.


وأكد أن الشريعة الإسلامية جامعة ورابطة للأمة الإسلامية، وتبقى الأمة الإسلامية ما بقيت شريعتها موجهة ومسيرة لحياتها ومهيمنة على مجتمعها فإذا زالت الشريعة الإسلامية من حياة الأمة، فإن ذلك مؤذن بالدمار والزوال.


وفي ذات السياق، نوه أن الفقه الإسلامي قام على أساس من الشريعة الإسلامية المباركة، وقد سادت الأمة وعزت بالتزامها بهذه الشريعة، وقد جعل المسلمون شريعتهم المقياس الذي تقاس به الأعمال، وتوزن به الأحوال، وبذلك تبين لهم الصالح والطالح من الأقوال والأفعال، والصحيح والفاسد، موضحًا أن المسلمين أدركوا أهمية علم الفقه، فعدوا الاشتغال به أفضل من الاشتغال بنوافل العبادات، لأن نوافل العبادات نفعها مقصور على صاحبها، وعلم الفقه نفعه يعدّ على صاحبه والمسلمين، والعباد تبع للعلماء، فهم ورثة الأنبياء، ثم إن العلم يبقى أثره بعد وفاة صاحبه، كما ثبت في الحديث، والعبادة تنقطع بموت صاحبها، كما عد العلماء القانون الإسلامي في المرتبة الثانية لعلم التوحيد يقول الكاساني: "لا علم بعد العلم بالله وصفاته أشرف من علم الفقه وهو المسمى بعلم الحلال والحرام، وعلم الشرائع والأحكام له بعث الله الرسل، وأنزل الكتب، إذ لا سبيل إلى معرفته بالعقل المحض دون السمع" - بدائع الصنائع. 


وشدد النائب الأول لـ "النور" أنه لا توجد على وجه الأرض اليوم شريعة يملك أصحابها هذه الميزة التي تمتاز بها شريعتنا الإسلامية المباركة، متابعًا: "فشريعتنا أنزلت إلينا من معبودنا وخالقنا سبحانه وتعالى، فهي شريعة إلهية ربانية. إن شرائع البشر صناعة إنسانية) يقول شيشرون الروماني الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد: "القانون الوضعي من خلق الإنسان"، ويقول خالقنا تعالى فيما صنعه العباد من أحياء يعبدونها وقوانين يتحاكمون إليها: "إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا" 17-العنكبوت.


 وأشار إلى أنه من جملة هذا الإفك قوانين البشر: "أَمْ لَهُمْ شُرَكَٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنۢ بِهِ ٱللَّهُ"، مشيرًا إلى أن كون الشريعة الإسلامية من عند الله يعني أن الشريعة الإسلامية الوحيدة التي لها الحق أن تسود وتحكم، لأنها من صاحب السلطان الذي له حق التشريع، ويجب على العباد الخضوع والطاعة له. وكل القوانين الأخرى ظالمة لأنها صادرة من غير صاحب الحق. وكون الشريعة من عند الله يعني أنها قائمة على أساس من عقيدة الإسلام وأن الشريعة مرتبطة بالعقيدة بل إنها ممتزجة بها، فالإسلام عقيدة وشريعة، ودين ودولة، وهذا يجعل حياة المسلم وحدة مترابطة منسجمة لا تعارض ولا تناقض فيها، وعقيدة المسلم تحكم بالله وشريعة الإسلام تحكم ظاهره ومجتمعه، وترتبط العقيدة والشريعة لتؤلف منهجا متكاملا يهيمن على حياته كلها، من غير أن يشعر بأي تناقض ولا تعارض، وهذه الشريعة المباركة معصومة كما أن صاحبها صلى الله عليه وسلم، وكما كانت أمته فيما اجتمعت عليه معصومة، وتابع: "كيف لا تكون معصومة وهي من عند الله الذي لا يضل ولا ينسى وكيف لا تكون معصومة وقد تكفل الله بحفظه"، " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"- الحجر، وقال تعالى: (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) هود، وهذه العصمة مستمرة إلى يومنا هذا، فكثيرة مؤامرات الكفرة، وطول العهد، كل ذلك لم يؤثر في عصمتها، بل بقيت كيوم أنزلت منزهة عن الباطل، محفوظة عن الغلط والتحريف، ليس فيها دخيل، حقها ظاهر متميز عن باطل البشر. قال تعالى "قد تبين الرشد من الغي" البقرة : ٢5٦ .


وشدد على أن شريعة الإسلام وحدها من بين الشرائع هي التي تحقق مصالح العباد، وذلك بحفظها لنظام الأمة واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه وهو الإنسان، وقد قام العلماء الأعلام باستقراء الشريعة في كلياتها وجزئياتها فهداهم ذلك إلى أن الشريعة سطرت لحفظ مصالح العباد وقطع دابر الفساد، وقد قال الله تعالى حكاية عن رسوله "شعيب" وتنويها به "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت"-88هود،  وقال تعالى: "وقال موسى لأخيه هرون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين" 145-  الأعراف، وقد كان كبير المفسدين في زمانه فرعون الذي قيل فيه ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾

[ القصص: 4] فمن الفساد الذي أراد الله تخليص بني إسرائيل منه استعلاء فرعون في الأرض، وتعبيده لبني إسرائيل، وسفكه لدماء الأبرياء، ومن الإفساد ما كان يفعله قوم شعيب، وقال لهم نبيهم: "وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا" 85 –الأعراف، وقال لهم: "ولا تعثوا في الأرض مفسدين"184 الشعراء، وقال صالح لقومه ثمود: "ولا تعثوا في الأرض مفسدين" 74 - الأعراف، وقال الله مخاطبا هذه الأمة: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها"- الأعراف : ،51 وقال تعالى" فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم" سورة محمد . وذم ذلك الذي إذا تولى أفسد في الأرض، "وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد" البقرة .


ولفت إلى أن علماء الإسلام قرروا هذه الحقيقة بعد استقرائهم لأحكام الشريعة، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية "إن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها"... كما ذكر في مناهج السنة النبوية، ويقول سلطان العلماء العز بن عبدالسلام: "الشريعة كلها مصالح، إما تدرأ مفاسد أو تجلب مصالح فإذا سمعت الله يقول "يا أيها الذين آمنوا" فتأمل وصيته بعد ندائه، فلا تجد إلا خيرا يحثك عليه أو شرا يزجرك عنه، أو جمعا بين الحث والزجر"، وهذا الاستقرار مفيد للعلم كما يقول الشاطبي في موافقاته: وقد عالج الإسلام صلاح الإنسان بصلاح أفراده الذي هم أجزاء نوعه، وبصلاح مجموعه وهم النوع كله، فابتداء الدعوة إلى صلاح الاعتقاد، الذي هو إصلاح مبدأ التفكير الإنساني، الذي يسوقه إلى التفكير الحق في أحوال هذا العالم، ثم عالج الإنسان بتزكية نفسه وتصفية باطنه، لأن الباطن محرك الإنسان إلى الأعمال الصالحة.