عاجل

رئيس "عليا النور" يكتب.. “مؤتمر المناخ والوعي الجماهيري“

المهندس سامح بسيوني رئيس الهيئة العليا لحزب النور

كتب المهندس سامح بسيوني رئيس الهيئة العليا لحزب النور، مقالا بعنوان : مؤتمر المناخ والوعي الجماهيري“،

جاء فيه:

لا شك أن للتغيرات مخاطر كثيرة على البشرية، فمظاهر التغيرات البيئية؛ مثل: ارتفاع درجات الحرارة وظاهرة الاحتباس الحراري، وذوبان الجبال الجليدية القطبية، وارتفاع منسوب البحار والمحيطات وارتفاع نسب ثاني أكسيد الكربون في الجو، لها بلا شك تأثير مباشر على التوازن البيئي الذي يؤثر بلا شك على الحراك الاجتماعي والاقتصادي للبشرية.

فـ نجد مثلا آثار تغير المناخ على البيئة من  حيث تغير أنماط هطول الأمطار العالمية والتي تؤدي إلى زيادة الجفاف على الأرض ومن ثم تدمير سبل العيش بتغير أماكن الاستقرار البشري في الأرض أو عدم إمكانية استمرار زراعة الأغذية الرئيسة، مع ما نجده من اختلال واضح للنظم الإيكولوجية Ecosystem ( النظم البيئية) الفعالة واللازمة لإحداث التوازن  البيئي الضابط لاحتياجات الإنسان في حياته، هذا بالإضافة إلى خطورة انتشار عدد كبير من الأمراض الخطيرة الناتجة عن الانبعاثات الغازية الصناعية –كالانبعاثات الكربونية– وما يتبع ذلك أيضا من ظواهر الاحتباس الحراري المدمرة للبيئة الحياتية للبشر .

والحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع؛ أنه لا توجد بلد بمنأى عن تأثيرات تغيّر المناخ، لذلك فإن ما يحدث في بلد ما من البلاد النامية مثلا أو حتى من البلاد الصناعية التي تكثر فيها الانبعاثات الكربونية الكثيفة سيؤثر بشكل مباشر على الظروف المناخية في العالم أجمع والتي قد تجبر  216 مليون شخص على الهجرة داخل بلدانهم أو خارجها بحلول عام 2050 ، مع انخفاض غلة المحاصيل الزراعية اللازمة لضبط الأمن الغذائي العالمي وذلك طبقا لأحدث الدراسات التي قام بها البنك الدولي ..

لذا تعد قضية تغير المناخ أحد أكثر القضايا  اهتماما  في العالم الآن حفاظا على الحياة العامة للبشر، وتجنبا للآثار الضارة الاقتصادية والصحية والمجتمعية الناتجة من التغيرات المناخية الواقعية والمحتملة في ظل تزايد السلوكيات الخاطئة في التعامل مع مكونات البيئة من مختلف فئات المجتمع .

كما أن قضية معالجة مشكلة التغير المناخي بغرض الحد من تأثير الصناعة علي البيئة بسبب زيادة معدلات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي والوصول إلى حلول لتلك الكارثة عبر البحث عن سبل تنمية الاقتصاديات الخضراء وغيرها من الأمور التي يجب أن تكون محل اهتمام من الجميع ..

وقد جاءت الشريعة الإسلامية –الصالحة لكل زمان ومكان– بالتحذير من خطورة مثل هذا الإضرار في الأرض والذي يؤثر على المجتمعات البشرية نتيجة إهمال الاهتمام بآثار تغيرات المناخ الحالية، وذلك تحت مفهوم القاعدة الشرعية الكلية "لا ضرر ولا ضرار" والتي هي من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، فُـ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  قَالَ« لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ».

فهذا الحديث مع قصر ألفاظه واختصار كلماته إلا أنه يشتمل على قواعد هامة وليس على قاعدة واحدة، ويبيّن السياج المحكم الذي بنته الشريعة الإسلامية لضمان مصالح الناس في العاجل والآجل؛ إذ يحتوي على تحريم سائر أنواع الضرر، ما قل منها وما كثر، بلفظ بليغ وجيز ومن تلك القواعد:
1- تحريم الضرر بالنفس وذلك بإلقائها في المخاطر، أو ارتكاب المحرمات.

2- النهي عن إلحاق الضرر بالآخرين.

3- اجتناب سائر المضرات في النفس والمال والأهل والعِرض.

4- منع الضرر قبل وقوعه، ورفعه بعد وقوعه؛ فالقاعدة المتفق عليها عند الفقهاء بناء على ذلك: إزالة الضرر، أو الضرر يزال.

5- كل أمر كان فيه ضرر محقق، فيحرم شرعًا.

6- كل أمر جاءت الشريعة الإسلامية بمنعه ففيه ضرر؛ علمه من علمه وجهله من جهله، وكل أحكام الإسلام الشرعية وتكاليفها المأمور بها لا ضرر فيها.

فـ نظرة الإسلام للضرر المرفوع تشمل الضرر الذى يلحق بالغير كأفراد، ويلحق أيضا بالمجموع كالمجتمعات، ويشمل أيضا دفع الضرر عن الذات ..

لذا سنجد دائما أن ما يستجد من المفاسد فى هذا العالم المتغير نتيجة تلك السلوكيات الإنسانية الخاطئة؛ والتي منها تلك السلوكيات المسببة لتغيرات المناخ الضارة بالبشرية، سيكون قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار» هو العمدة لتحريمها وتأصيل حكم الله فيها ..

فـ التعامل مع البيئة في الشريعة الإسلامية ينبغي أن يكون وفق مراد الله بلا ضرر ولا إضرار بالبشر ولا تعد مفسد للحياة، وقد بين الله عزوجل ذلك في كتابه محذرا من عموم الفساد في الأرض في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كنتم مؤمنين ﴾

لذا فلا عجب أن نرى أيضا أن التراث الإسلامي قد مُلئ بجهود علماء الإسلام في مراعاة البيئة والمحافظة عليها من التلوث والفساد، بل وفي دراسة عناصر الكون المختلفة وذلك في مؤلفات مستقلة لتنمية الوعي البيئي، وتفسير الظواهر الطبيعية ومعالجة ظواهر كونية، أو بيئية، لا يتصور المجترءون على التراث أنها فيه، ومن أعجبها:
- كتاب"البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرز من ضرر الأوباء" لمحمد بن أحمد التميمي المقدسي ( المتوفى في عام : 390 هـ)، والذي كتبه عام 370 هـ - 980 م في مصر، ويعتبر أول كتاب عربي عن البيئة، وهو أكبر الكتب حجماً لموضوع تلوث البيئة في التراث العربي، كذلك يعتبر موسوعة في الطب الوقائي وحماية البيئة.
- وكتاب " البلاد والزرع" .. للمفضل بن سلمة ( المتوفى سنة 290 هـ ).

لذا فإنه مما ذكرناه أعلاه، فإن من الأهمية بمكان قيام المتخصصين الصادقين ببذل المجهود الآن في تقديم حلول توعوية ابتكارية موجهة للأفراد في المجتمعات لبيان خطورة التغيرات البيئية بطريقة تدفعهم للمساهمة في إحداث تغيير سلوكي طويل الأمد ودائم التأثير مبني على تفهم روح المعايشة البيئية الصحيحة لمنع أضرار تغير المناخ مع الحرص على الإندماج في تنفيذ وإنجاح أساليب المواجهة التي تتبناها الدولة تنفيذيا لمنع آثار التغيرات المناخية الضارة، مع أهمية الحركة الجماعية لنشر الوعي المناخي إعلاميا ومجتمعيا وشرعيا عند كل فئات المجتمع؛ لتكيف الأوضاع اليومية للناس والأنشطة الحياتية لهم بطريقة تسهم في الحد من تأثير المناخ وخلق بيئة مستدامة أكثر تناغمًا وتكاملية مع مجهودات الدولة ورؤيتها طبقا لـ " الاستراتيجية الوطنية  للتغيرات المناخية 2050" والتي تدعمها مصر باستضافتها لمؤتمر المناخ COP27 كخطوة توعوية وتنفيذية هامة وجزء من العمل المصري العالمي للتصدي لآثار تغير المناخ خلال الفترة القادمة.