عاجل

(11) سببًا لعدم النزول في (11/11).. بقلم م. أحمد الشحات

المهندس أحمد الشحات مساعد رئيس حزب النور للشئون السياسية

سألني صاحبي عن موقفي من النزول في يوم 11/11، ولأنه يعلم موقفي مسبقًا فبادرني بالسؤال التالي: وهل أنت راضٍ عن الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد؟ وهل توافق على السياسات التي يتبناها النظام؟


ونظرًا لأهمية السؤال وضرورة وضوح الجواب؛ فقررت أن أكتب الرد عليه من (11) وجهًا كما يلي:


(1) لا يوجد تلازم بين الرضى على الأوضاع وموافقة النظام على سياساته وبين النزول، فقد أعارض النظام أو اعترض عليه - كما يحدث من نواب حزب النور داخل البرلمان -، ولكني لا أسعى لخراب بلدي ولا تدمير وطني، فالخلاف السياسي شيء والانتقام من الوطن والرغبة في تدميره شيء آخر.


(2) ليس شرطًا أن من يهيج الناس نحو النزول سينزل هو!! وهذه ضع تحتها عشرات الخطوط الحمراء، من يحرضك نحو النزول غالبًا يعيش خارج البلاد في أرقى الفنادق، ويركب أفخم السيارات، هم يريدون التضحية بك وجعلك وقودًا في معركتهم فقط، ومن يحركون مشاعر الناس نحو النزول في الداخل أكاد أقسم لك بالله غير حانث أنهم لن ينزلون لا هم ولا أولادهم. وقد ناقشت عددًا منهم، وفي كل مرة أسأل من يناقشني: هل ستنزل؟ يقول: لا، وهل تظنني مغفلًا؟! هل أنزل ليتم القبض عليَّ؟! إذن أنت تخاف على نفسك وأولادك وتريد من الآخرين أن يضحوا بأنفسهم وأولادهم؟!


(3) لستُ راضيًا عن الأوضاع، ومتضرر منها كما يتضرر منها غالب الشعب، ولكن هل النزول سيحسن هذه الأوضاع أم يزيدها سوءًا؟ هل المظاهرات والاضطرابات ستزيل الغلاء وتضبط الأسعار وترفع الرواتب أم سيزداد الأمر سوءًا ويدفع الشعب الضريبة؟ لأن أصحاب الأموال والأجندات سيكونون أول الهاربين خارج البلاد، ولن يدفع الفاتورة إلا أنا وأنت!!


(4) لستُ راضيًا عن الأوضاع، ولكن ليست هذه طريقة للتغيير والإصلاح، فإغراق البلاد في الفوضى والفتن لن يُرجى منه خير، ولن يترتب عليه ازدهار، وإنما مزيد من الأزمات والمشكلات التي ستعقد الأمور أكثر، وتزيد المعاناة أكثر، وعلى فرض بقاء الوطن، فسيحتاج الناس بعد عدد من السنوات إلى الخروج مرة أخرى لأن الأوضاع صارت أصعب، والمعاناة صارت أشد، وهذا ما يفسر أن بعض الناس اليوم يتباكى على أيام مبارك، رغم أنهم خرجوا عليه من عدة سنوات، ولكن لما أضيفت ضريبة الخروج على مبارك إلى ضريبة فساد مبارك صار فساده عند البعض أهون مما عانى منه بعد ذلك، فإلى متى يستمر النزيف؟! 


(5) من الداعي للمظاهرات؟ لاشك أن قنوات جماعة الإخوان هي التي دعت لهذه المظاهرات، رغم أنهم منذ عدة أيام قبل الدعوة لهذه المظاهرات أعلنوا أنهم لن ينافسوا على الحكم في مصر، وأنهم راغبون في إتمام المصالحة مع النظام، ولكن الحقيقة أن الإخوان لن يتصالحوا وإن تصالحوا!! لأن الجماعة لديها غِلٌّ شديد تجاه الدولة بكل من فيها، وترغب في الثأر من الجميع ليس رأس السلطة فقط، ولكنها تريد أن تنتقم من الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والأزهر وحزب النور والأحزاب المدنية، وكل طوائف الشعب الذين خرجوا بالملايين يومًا وقالوا للدكتور مرسي: ارحل، كل هؤلاء عند جماعة الإخوان "عبيد البيادة"، وقد صرحوا بها وكتبوها وأعلنوها لكل الناس، فالجماعة لن تصالح ولن تسامح، وكل ما يقال في هذا الشأن تقية وخداع للخروج من الأزمة مؤقتًا، ثم العودة مرة أخرى من أجل الانتقام وتصفية الحسابات.


(6) من المستفيد من المظاهرات؟ سيقولون لك الشعب المطحون المقهور هو المستفيد!! وهم يكذبون ويعلمون أنهم كاذبون، لأن الشعب المطحون سيزداد طحنا، وآلام الناس ستتضاعف، والظرف الإقليمي والدولي لا يتحمل إضافة أزمات إلى أزماته، وأول من سينشغل عنك هم من حرضوك اليوم وثوروك، وغدا سيقولون لك: "اصبر وتمهل؛ فلكل شيء ضريبة، والإصلاح لن يتم في يوم وليلة ولابد أن نتحمل"، وغيرها من العبارات التي يستخدمونها في حالة كونهم في السلطة أو راضون عمن بالسلطة، أما إذا كانت الأخرى فسيشوهون لك النجاح، ويقللون لك من قيمة الإنجازات، وسيعظمون من الأخطاء، ويضخمون من المفاسد حتى تكره وطنك وبلدك وتصير حربًا عليها دون أن تشعر.


(7) ما هو المأمول من الخروج وما هو المصير والمآل المتوقع؟ صدقًا ووفق حوارات عديدة لن تجد من أحد منهم إجابة؟ وليس هناك خطة واضحة إنما هو المجهول والمصير الغامض!! فهل يمكن أن نقامر بمستقبل البلاد بهذه الطريقة؟ إنك لن تقبل أن تقامر بمستقبل أسرتك ولا وضعك الوظيفي ولا مصير أبنائك، ولو فعلتَ لصرتَ مقصرًا متهورًا مضيعًا للأمانة، فكيف تجرؤ على تضييع مصير ما يزيد عن 100 مليون مصري؟! أين سيذهب هؤلاء لو -لا قدر الله- انهارت الدولة وسقط النظام وعمَّت الفوضى؟!


سيقولون لك: إذا هي فزاعة سوريا وليبيا التي لا تسأمون من تكرارها؟


ولكنى أقول لك: هي ليست فزاعة، بل هي واقع، واقع سوريا وليبيا الذي تراه أنت بعينك، ولكنهم يريدون أن يصرفوا نظرك عنه بمثل هذه الأساليب الماكرة، وإلا فهل رأيتَ لاجئًا سوريًا في بلادك؟ هل سمعت منه أحوال بلاده؟ هل سمعت من أحدهم توسلاته ودموعه التي تذيب الحجر، وهو يقسم عليك بالله أن تحافظ على بلدك التي أصبحت بلده، أحد هؤلاء قال لي: أود أن أذهب لكل مصري في بيته أقبل رأسه ألا يضيع مصر كما ضاعت سوريا، ثم انهمر باكيًا وهو يقول: أين سنذهب إذا سقطت مصر لا قدر الله!!


لا تظن أني أحدثك حديثًا عاطفيا أدغدغ به مشاعرك، كلا والله، وإنما هو واقع أنقله لك علَّه أن يكون منبهًا لك.


(8) الظرف الحالي الذي تمر به بلاد العالم ظرف شديد الصعوبة، والأزمة العالمية تضرب دولًا تحتل قمة الرفاهية والنمو الاقتصادي، فليس من الحكمة ولا المنطق أن يفكر أحد الآن في أي عمل يؤدي إلى مزيد من الاضطراب وهو يرى دول العالم من حوله تعاني من الأزمة الاقتصادية الطاحنة، فأي عقل سليم يدفع الأوضاع نحو الانفجار في مثل هذه الأزمات الطاحنة، اللهم إلا رجلًا مطعونًا في أمانته لا يريد لبلاده إلا أن تتحول إلى ركام وحطام، ولن يهمه بعد ذلك شيء؟


هل يمكن أن تسأل نفسك سؤالًا مهما سيكشف لك كثيرًا من الأمور الغامضة؟


- أين إخوان سوريا من رفع معاناة سوريا؟ لا شيء.

- أين إخوان ليبيا من رفع معاناة ليبيا؟ لا شيء.

- أين إخوان اليمن من رفع معاناة اليمن؟ لا شيء.

- أين إخوان العراق من رفع معانا العراق؟ لا شيء.

كل هذه البلاد بها إخوان شاركوا في الهدم والخراب ثم سكتوا أو رحلوا أو تعاونوا مع الأعداء!!

كل برامج الإخوان المأجورة في لندن وتركيا وقطر تتحدث عن مصر فقط، لا يمكن ولو عن طريق الخطأ أن تتحدث هذه الأبواق الخبيثة عن أي دولة مما ذكرتُ لأن المهمة تمت بنجاح وحدث الانهيار بالفعل.


التنظيم الدولي للإخوان لا يتحدث إلا عن مصر ولا ينشغل إلا بمصر رغم أنه ممتد في كل الدول الأخرى، والسبب في ذلك أنها هي الباقية والقائمة، نسأل الله لها الحفظ والسلامة من كل سوء، وعندما يملُّون من الحديث عن مصر يتحدثون عن المملكة العربية السعودية على اعتبارها الجناح الثاني للأمن القومي العربي، فعلمنا من ذلك أنهم لا يريدون ببلادنا سوى الخراب ولا يفلحون إلا في الهدم.


(9) المستفيد الوحيد من سقوط مصر أو ضعفها هم الشيعة الرافضة مجوس إيران، وهذا الأمر يعرفه أصغر طالب في كليات العلوم السياسية، مصر هي عمود الخيمة للعرب والمسلمين، شاء من شاء وأبى من أبى، لا أقول ذلك فخرًا ولا تعصبًا جاهليًا، ولكن لنقدِّر حجم المسؤولية التي علينا، ولنقوم بالأمانة التي حمَّلنا الله إياها.


فإيران التهمت أبرز عواصم العالم العربي للأسف: دمشق وبغداد وصنعاء وبيروت، وما يحجزها عن التهام الباقي هو بقاء الدولة المصرية قوية بدينها وشعبها وجيشها وأخوتها مع جيرانها من الدول العربية والإسلامية، ولكنها حجر الزاوية وقلب الجسد العربي، وإذا توقف القلب لا قدر الله مات الجسد عاجلًا أو آجلًا ، فلا يمكن لمخلص أن يشارك في أي عمل يضعف بلده ويوهن قوتها وينهك مقدراتها، خاصة أن السقوط -لا قدر الله- لا يأتي دفعة واحدة ولكنه يأتي تدريجيًا وعبر محطات.


(10) أسباب الأزمة التي نعيشها الآن لا يمكن حصرها فقط في بند سياسات النظام الحالي، وإلا سيكون هذا من الظلم والتجني وعدم الإنصاف، فالأزمة مركبة ومتراكمة مما يلي:


- ضريبة 30 سنة من حكم مبارك، وبالأخص العشر سنوات الأخيرة من الحكم.

- ضريبة الفوضى بعد ثورة 25 يناير، وما تبعها من تعطل الإنتاج وانهيار الأمن.

- ضريبة عام من التوتر والأزمات في ظل حكم الإخوان بغض النظر عن المسئول عنها.

- الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها العالم في الفترة الأخيرة خاصة بعد أزمتي كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

- سياسات النظام الحالي التي نخالفه في بعضها، كما يخالفه بعض الخبراء والمختصين فيها، وهي أمور اجتهادية بشكل أو بآخر، كان من الممكن أن تنجح في ظرف آخر أو بلد آخر أو بطريقة أخرى، لكن مما لا يختلف عليه اثنان أن هناك حجمًا ضخمًا من الأعمال والمشروعات تمت في السنوات الأخيرة، لكن للأسف الشديد لم يلمس لها المواطن أثرًا في تحسن مستوى معيشته، أو ارتفاع لدخله، أو اتساع في فرص العمل، أو انخفاض في الأسعار، وهذه هي أزمة المواطن الكبرى التي لو وُفِّق النظام لحلها سيكون تخلص من عبء كبير على كاهله، كما أن وجود المظالم سبب لمحق البركة وانعدام التوفيق، فالمسارعة لرفع الظلم وتحقيق العدالة أقصر طريق لرفع البلاء وفشو الرخاء.


(11) لا يجوز أن ننسى في هذا المقام أثر الذنوب والمعاصي في نزول البلاء وغلاء الأسعار، ولكنى جعلته السبب الأخير حتى لا يظن أحد من القراء أني أقدم له خطاب تسكين أو تخدير أو دروشة، فأخرته لهذا السبب، ولكن ليس من الأمانة إغفاله أو السكوت عنه، فما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة، والتوبة والاستغفار من الأسباب الجالبة للرزق والرافعة للبلاء، قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10-12].

نسأل الله أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن، فالأمر كما قال الشاعر أحمد محرم في شأن مصر:


أَنجدوا مِصرَ إِذا ما فَزِعَت *** وَأَهابَت بِالكُماةِ الباسِلينْ

احفَظوها إِنَّ مِصرًا إن تَضِع *** ضاعَ في الدُنيا تُراثُ المُسلِمينْ