عاجل

  • الرئيسية
  • تقارير
  • تنظيم "داعش" ... هل يقضي على الثورة السورية أم يؤسس لإمارة إسلامية؟

تنظيم "داعش" ... هل يقضي على الثورة السورية أم يؤسس لإمارة إسلامية؟

بات مشهد الأزمة السورية التي أكملت عامها الثالث ومآلاتها تسوده الضبابية ويكتنفه الغموض في ظل حالة التفسخ السياسي للمعارضة السورية وظهور تنظيم جهادي ينتمي إلى تنظيم القاعدة أطلق على نفسه "الدولة الإسلامية في الشام والعراق"، المعروف باسم "داعش" والذي بات يمارس القتل ضد تيارات المعارضة للنظام السوري. ومنذ التحضيرات لمؤتمر "جنيف2"، تشهد الساحة السياسية السورية استمراراً للمعارك العنيفة التي اندلعت في الثالث من يناير الجاري بين "داعش" المرتبطة بتنظيم القاعدة من جهة، وثلاثة تشكيلات من مقاتلي المعارضة السورية هي "الجبهة الاسلامية"، و"جيش المجاهدين"، و"جبهة ثوار سوريا"، والتي أدت إلى مقتل نحو 700 شخص. يثير هذا المشهد المعقد والمرتبك الكثير من التساؤلات بشأن ماهية هذا التنظيم الجديد وهل يكون على شاكلة "طالبان في أفغانستان" وما هي قوته وما القوى التي تدعمه وتسانده إقليمياً ودولياً، بما يعني اختراقه بهدف ممارسة نوع جديد من العمليات الاستخباراتية لتحقيق الأهداف بدون التورط العسكري المباشر أم ماذا تعني عملية الاختراق؟، وما هي أهدافه الصريحة العلنية المباشرة وغير المباشرة؟، وهل مهمته القضاء على الثورة والثوار في سوريا، أم شيوع حالة من الفوضى والتوتر والسيولة السياسية التي تؤدي في النهاية إلى خلق هياكل مؤسسية جديدة في المنطقة تعمل على تحقيق أكبر قدر من المكاسب وتعظيمها وإعادة ترسيم خريطة منطقة الشرق الأوسط برمتها، بحيث تكون سوريا والعراق اللبنة الأولى فيها؟ ماهية "داعش" وأهدافه بداية يمكن القول أن التنظيم الجهادي "داعش" ظهر في أبريل 2013 باعتباره فصيل جهادي تكون في سوريا من أجل الاندماج مع تنظيم دولة العراق الإسلامية التابعة لتنظيم القاعدة الذي تشكل هو الآخر في أكتوبر عام 2006 والمجموعة الإسلامية المسماة ب "جبهة النصرة" أو "أحرار الشام" الذي يتزعمه القيادي الجولاني، إلا أن جبهة النصرة قد أعلنت رفضها لهذا الاندماج وبخاصة بعد أن أعلن أيمن الظواهري رئيس تنظيم القاعدة رفضه لهذا الاندماج، وعلي أثره لم يملك أبوبكر البغدادي أمير تنظيم "داعش" إلا أن يقاتل وحده ويطور من حركته ويستقطب لها الكثير من المتطوعين الجهاديين من كل دول العالم ويعطيها اسما حركيا هو "داعش" لتصبح تلك الحركة من أخطر الجماعات الإرهابية والجهادية التي تقاتل ضد نظام بشار الأسد من جهة، وضد الجيش السوري الحر من جهة أخري ، ثم دخولها في حرب طاحنة الآن مع كثير من التنظيمات الجهادية أهمها القتال ضد جبهة النصرة، والتي لن يكون آخرها ما حدث يوم 13 يناير الحالي من مقتل نحو 46 من عناصر جبهة النصرة على أيدي عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" في منطقة الرقة. تتركز عمليات تنظيم "داعش" في عدد من المدن والقرى الحدودية بين سوريا وتركيا وبخاصة في مدينة الرقة وريف الزور وأحياء مدينة حلب وقري درعا وإدلب، وقد استطاع هذا التنظيم السيطرة في وقت سابق علي مدينة الرنا وإعلانها إمارة إسلامية له وبدأ فيها تطبيقه للشريعة الإسلامية. يخوض "داعش" نزاعات وحروب دموية مع الكثير من التنظيمات الجهادية وكذلك مع الجيش السوري الحر ناهيك عن نزاعها مع نظام بشار الأسد، ورغم قتالها العنيف في سوريا إلا أنها انتقلت بعدد كبير من عناصرها للقتال في العراق وبخاصة في المنطقة الخاضعة للطائفة السنية في منطقة الأنبار والفالوجا مستغلة في ذلك الخلاف الناشب بين عشائر وقبائل تلك المنطقة مع الحكومة بزعامة المالكي المنحاز لإيران والشيعة في العراق علي حساب السنة. لكن عشائر قبائل الأنبار بالعراق استوعبوا خطورة تنامي تنظيم "داعش" الساعي لتكوين دولته الإسلامية وبخاصة بعد استيلائه علي بعض المناطق ورفعه الأعلام السوداء عليها ودخلوا معهم في حروب طاحنة من أجل إبعادهم واسترداد المناطق التي استولوا عليها، إضافة إلي تحضيرات المالكي واستعداده الوشيك لمواجهتهم بعد حصوله مؤخرا علي المساعدات العسكرية الأمريكية المتطورة ورصده لتحركات هذا التنظيم علي الحدود السورية العراقية. وعلى خلفية تلك التطورات، أصبح لـ "داعش" نفوذ كبير في الحرب الطاحنة في سوريا والعراق من أجل تحقيق أهدافها علي حساب الثورة السورية ، واستقرار وسلامة أمن العراق الذي أصبح مرتع لكثير من التنظيمات الإرهابية وتنظيم القاعدة. رؤيتين لتفسير الدور ثمة رؤيتين يمكن طرحهما بشأن أهداف تنظيم "داعش" وتداعيات ذلك الأمر على الأزمة السورية وعلى مستقبل المنطقة برمتها، الرؤية الأولى: ترى أن التنظيمات الجهادية بصفة عامة وتنظيم "داعش" بصفة خاصة تسعي إلي تحقيق أهدافها لتكوين الدولة الإسلامية بالعراق وسوريا مستغلة الأزمات السياسية التي تعصف بكلا البلدين وانتهاز الفرصة للانقضاض علي الحكم، ولهذا فإنها في مجملها تنظيمات لا تؤمن إلا بالقتل والحرب باسم الدين ولا يعترفون بالنظام السوري ولا بالجيش الحر ولا بالائتلاف السوري، ولا بالنظام العراقي ولا بجنيف 2 ولا بالتعويل علي الدول الأجنبية، وفي الوقت نفسه يصدرون أفكارهم باسم الدين والدفاع عن تحقيق العدل والحرية، وفوق كل ذلك تسعي القاعدة برئاسة الظواهري لتسخر في النهاية كل تلك التنظيمات لأهدافها ومصالحها لتكوين دولة الخلافة الإسلامية ، في الوقت الذي تراجعت فيه الدول العظمي عن القيام بدورها المطلوب منها وهو القضاء علي تلك التنظيمات بسبب مسئوليتها التاريخية عن الدمار والخراب وعما آل إليه حال كل من العراق وسوريا وغيرها من البلدان الأخري. أما الرؤية الثانية: ترى أن "داعش" ما هو إلا "حصان طروادة" زرعته إيران بمساعدة القوى الأخرى الداعمة لنظام بشار الأسد من أجل القضاء على الثورة والثوار وبقاء الأسد في السلطة لحين التوصل إلى صيغة من نظام للحكم يحقق المصالح الاستراتيجية في المنطقة. وتركز تلك الرؤية على مفهوم المخابراتية العالمية في سياق تفسيرها لتطورات الأحداث في سوريا، إذ تؤكد أن هذا التشكيل ـ يقصد به تنظيم "داعش" ـ من المخابرات المتنوع دوليا وإقليميا وعربيا قد ينخرط في توجيه الحرب على الثورة السورية مركزيا، وقد تكون المساهمة في هذا التوجيه عشوائية، كل في مساحته، لكن نهاية الحرب القذرة في مركز العمليات الدولي ضد الثورة، يشعر أنه قطف الثمرة ودمر ميدان الثورة. ومركز العمليات الدولي لا يعني تجسده جغرافيا في موقع محدد، لكنه خلاصات هذه التوافقات التي بات الغرب يعلنها صراحة بعدما كانت موسكو تتبناها طوال موسم المواجهة، وبالتالي فهو خليط لشبكة العقيدة الأمنية لمواجهة الثورة السورية يُنفذ عبر أذرع متعددة تصب خلاصاتها في معنى واحد يؤدي إلى تحييد ميدان الثورة بعد تفجيره، رغم أن حسابات هذه الأطراف المتعددة قد تختلف في النتيجة النهائية لمستقبل نظام الأسد، لكنها لم تقبل بالبديل الثوري الذي صاغ العقد السياسي، وعليه تُصنع حكومة الأسد الجديدة كما جرى صناعة حكومة المالكي في العراق. تخلص هذه الرؤية إلى أن هذا الخيار هو خيار مدمر يضمن بقاء الأسد وكتلة نظامه ويتم تمريره بمشاركة معارضة وهمية، ويُصادق عليها دوليا، وقد يسند بدعم عسكري بحجة حماية الأقليات كما ألمح الروس إلى ذلك، وبالتالي زيادة معاناة الشعب السوري من عمليات قتل جديدة سواء بيد النظام أو إيران أو داعش. وأياً كانت وجاهة الرؤيتين في المعالجة السياسية والتحليلية لتطورات الأوضاع على الساحة السورية، فثمة حقيقة مؤكدة أثبتتها التطورات وهي أن الأزمة السورية هي أزمة صراع مصالح إقليمية ودولية دارت رحاها على الأرض السورية وبات الشعب السوري هو الضحية الأوحد.