عاجل

  • الرئيسية
  • تقارير
  • الفلسطينيون....بين مطرقة المحتل الغاشم وسندان الأزمة الاقتصادية

الفلسطينيون....بين مطرقة المحتل الغاشم وسندان الأزمة الاقتصادية

صورة أرشيفية

يخوض الشعب الفلسطينى فى الوقت الراهن معركة ضارية، ولكنها ليست تلك النوعية من المعارك التى يرجع تاريخها إلى وقت حدوث النكبة الفلسطينية فى عام 1948 وما تلاها من معارك دفاعا عن أرضه ونيل حريته واستقلاله، فالمعركة الآن تدور وقائعها داخل كل بيت فلسطينى يواجه تبعات الأزمة الاقتصادية التى تزداد تفاقما يوما بعد يوم، ويجد المواطن الفلسطينى نفسه فى النهاية واقعا بين مطرقة الممارسات الغاشمة للمحتل الإسرائيلى وبين سندان الغلاء المعيشى وركود الوضع الاقتصادى الذى هو أيضا نتاج لسياسات الاحتلال التى سعت على مدار عقود لمحاصرة الفلسطينيين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. فالحكومة الفلسطينية الجديدة تواجه تحديات صعبة وخطيرة، فهى تجد أمامها حزمة من الملفات الثقيلة على كافة المستويات سواء على المستوى الاقتصادى أو الاجتماعى أو الوطنى، بالإضافة إلى أنها قد تجد الطريق أمامها مسدودا نحو إيجاد حلول جوهرية لممارسات وتعنت واعتداءات قوات الاحتلال والمستوطنين الإسرائيليين التى ازدادت حدتها فى الفترة الأخيرة على نحو يثير مخاوف الكثيرين من تفجر الموقف على الأرض. فالفلسطينيون تكويهم نيران المحتل من ناحية، ويقهرهم الوضع الاقتصادى وغلاء المعيشة من ناحية أخرى.. ويرجع الكثيرون تفاقم هذا الموقف الراهن إلى عدم وجود سياسات واضحة ومحددة من جانب الحكومة الفلسطينية لمواجهة الكثير من المشكلات الاقتصادية التى يرونها من وجهة نظرهم قابلة للحل، ومن بينها السماح بإقامة مشاريع صغيرة، والتخلص من القيود المفروضة على الجانب الفلسطينى وارتباطه بزيادات الضرائب المفروضة على الجانب الإسرائيلى، وتشجيع الصناعات المحلية، وإيجاد طرق لنفاذ المنتجات المحلية الفلسطينية إلى الأسواق العربية والأوروبية، حيث تشتهر العديد من المدن الفلسطينية بصناعات محلية وصناعات غير تقليدية قد تلقى رواجا لها فى الأسواق الخارجية. وعلى سبيل المثال، تشتهر مدينة نابلس بوجود الكثير من معاصر الزيتون، والعديد من مصانع الصابون (الصبانات) التى دمرت إبان الاجتياح الإسرائيلى للمدينة فى عام 2002، لم يتبق منها سوى أقدم مصنع فى تاريخ فلسطين وهو "مصنع حافظ وعبدالفتاح طوقان"(الذى تم إنشاؤه منذ 140 عاما) لإنتاج الصابون النابلسى وهو منتج يتم تصنيعه 100 بالمائة من زيت الزيتون ويتم تصديره إلى العديد من الدول. وكانت آخر الخطوات التى اتخذتها إسرائيل فى إطار سياسة خفض النفقات التى تنتهجها هو زيادة ضريبة القيمة المضافة على المنتجات بنسبة 1 بالمائة لتصبح 18 بالمائة منذ أوائل شهر يونيو الجارى، الأمر الذى استلزم زيادة الضريبة بنفس القيمة على الجانب الفلسطينى، طبقا لاتفاقيات أوسلو الموقعة فى عام 1994، الأمر الذى يهدد الكثير من الفلسطينيين من الطبقات المتوسطة وأصحاب الدخول الثابتة بأزمات اقتصادية صعبة وخاصة فيما يتعلق بارتفاع أسعار الغذاء. ويرجع السبب فى ذلك إلى أن هذه الضريبة تطبق على البضائع المستوردة، التى تشكل الأغلبية العظمى من البضائع المتاحة فى مناطق الأراضى الفلسطينية. كما أن الجدار العازل التى أقامته إسرائيل ليقسم الضفة الغربية ويحد من حركة سكانها يشل حياة العمال من الفلسطينيين الذين ضاقت بهم فرص العمل فى مناطق الضفة ويمنعون من الدخول إلى القدس أو إسرائيل بدون حمل بطاقات الهوية الإسرائيلية التى يطلق عليها اسم "البطاقات الزرقاء". وقد اتسمت آراء المواطنين إزاء تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة وإمكانية تقديم حلول لمواجهة هذا الوضع الاقتصادى السىء بالإحباط الشديد، حيث يرون أن الحكومة تمارس عليها ضغوط كبيرة من جانب الاحتلال الإسرائيلى تجعلها مستمرة فى هذه السياسات الضريبية المجهدة؛ ولا يجد المواطن الفلسطينى المطالب بسداد 19 نوعا من الضرائب المختلفة سوى اللجوء إلى الدين أو حتى العمل داخل إسرائيل بشكل غير شرعى (أى التسلل للعمل هناك) لسداد متطلباته المعيشية. ويقول محمد الصايغ وهو موظف بهيئة سوق المال الفلسطينية، من نابلس بالضفة الغربية، إن هذه الضرائب المتزايدة هى نتاج لاتفاقية باريس الاقتصادية الموقعة فى مايو من عام 1994 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، والتى جعلت الفلسطينيين عرضة "لاجحاف شديد" على مدار الأعوام الماضية. ويطالب الصايغ السلطة الفلسطينية بمراجعة هذه الاتفاقية وفك هذا الارتباط الاقتصادى مع إسرائيل لأنها أصبحت الآن تشكل خطرا كبيرا على الساحة الداخلية الفلسطينية، مضيفا أن المواطنين لن يتحملوا طويلا هذا الغلاء. وأوضح الصايغ أنه بمقارنة الأجور داخل الأراضى الفلسطينية مع نظيراتها داخل إسرائيل نجد أن الدخول فى إسرائيل ترتفع مما يمكنهم من مواجهة هذه الموجات من الغلاء، ولكن الأجور فى الضفة لم تشهد زيادة ملموسة يشعر بها المواطنون ويهدد بالقضاء على الطبقة المتوسطة من الفلسطينيين. وأشار إلى أن خط الفقر عن الإسرائيليين هو 8 آلاف شيكل (أى ما يزيد تقريبا على 2000 دولار)، أما خط الفقر عند الفلسطينيين فهو 1450 شيكلا (أى ما يعادل 400 دولار)، والحد الأدنى لرواتب الموظفين الفلسطينيين هو 2000 شيكل (أى حوالى 600 دولار) . ويضيف الصايغ أن المعوقات والعراقيل التى وضعتها إسرائيل أمام تحركات المواطنين تعوق فرصهم فى العمل فى مناطق أخرى لزيادة دخولهم، فعلى سبيل المثال، الشخص الذى يعيش فى نابلس ويريد العمل فى رام الله أو مناطق أخرى بالضفة الغربية قد يقضى 3 ساعات حتى يصل إلى المكان الذى يريده، ولا يجد المتسع من الوقت حتى يرتبط بمكان عمل آخر، موضحا أنه على السلطة إقامة مشروعات جديدة ومصانع تتيح فرص عمل جديدة للشباب فى إطار قريب من المناطق التى يعيشون فيها. وبدوره، يقول سعيد الكونى، وهو عامل ببلدية نابلس، إن أسعار جميع السلع الأساسية زادت بنسبة تتراوح ما بين 50 إلى 60 بالمائة على مدار الخمس سنوات الماضية وهو يتقاضى نفس الأجر تقريبا. ويشير الكونى إلى أسعار المنتجات الأساسية كالسكر (الذى زاد سعره من 5ر2 شيكل إلى 5ر4 شيكل)، والزيت (الذى زاد سعره من 8 شواكل إلى 14 إلى 18 شيكلا) بالإضافة إلى أسعار الخضار والفواكة واللحوم والدجاج، موضحا أنه يتقاضى أجرا يصل إلى 1500 شيكل شهريا ويقوم بسداد إيجار المنزل والكهرباء والغاز (حيث زادت قيمة اسطوانة الغاز من 25 إلى 75 شيكلا)، ولا يجد أمامه سوى الاستدانة حتى بداية الشهر الجديد. ويقول الكونى إن ميدان الشهداء بمدينة نابلس شهد واقعتين مأساويتين لقيام مواطنين بحرق أنفسهم منذ بضعة أسابيع بسبب موجة الغلاء وعدم قدرتهم على تحمل نفقات المعيشة، مضيفا أن هذه الأزمات تهدد بوقوع كوارث خطيرة أو انتفاضة من نوع جديد ؟ على حد قوله. ولفت عبدالمعطى الكونى إلى أن الفلسطينيين الذين كانت تسمح لهم قوات الاحتلال بالعمل باليومية داخل إسرائيل فى السابق ، كانوا يجدون متنفسا لهم فى العمل بأى مجالات كالبناء وغيرها، ولكن الآن بعد أن تم عزل مواطنى الضفة وعدم السماح لهم بالعمل فى إسرائيل، فليس هناك أى مجال لإيجاد فرص للعمل حيث أن أماكن العمل محدودة ولا يوجد الكثير من المصانع الصغيرة التى تعمل فى الضفة الغربية. وردا على سؤال حول العمل داخل إسرائيل وكونه تطبيعا مع الإسرائيليين، قال الكونى "العمل يكون داخل إسرائيل وليس المستوطنات اليهودية وأن هناك فرقا بين الأمرين"، وقال متسائلا "ولكن ماذا نفعل لكى نعيش ونطعم أولادنا؟". وفيما يتعلق بإمكانية عمل الفلسطينيين فى أية دول عربية أخرى لمواجهة هذه الأزمات، قال الكونى "يعمل الكثير من الفلسطينيين فى الدول العربية والخليج ، ولكن أكثرهم يكون من حملة الشهادات، فليس المجال مفتوحا أمامنا لإيجاد فرص عمل فى الدول العربية"، مطالبا السلطة بأن يكون هناك تشجيع لفتح الباب أمام الفلسطينيين فى مناطق ودول أخرى. وتعقيبا على هذا الوضع الاقتصادى المتأزم فى الأراضى الفلسطينية، يقول د.عادل سمارة، المحلل السياسى والاقتصادى الفلسطينى، إن المشكلة الاقتصادية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة تختلف جذريا عن أى بلد آخر فى العالم، لأننا أمام مشكلة لبلد ليس مستقلا وليس ذى سيادة كاملة، وحتى الحلول لهذه المشكلات لا يمكن أن تكون بسهولة أو حلول وطنية لأن اتخاذ قرارات حاسمة للوضع الاقتصادى معرقل بسبب الارتباط الفلسطينى ببروتوكول باريس من جهة ، أو من خلال سيطرة الاحتلال الإسرائيلى على الحدود من جهة أخرى، الأمر الذى يفرض السيطرة على وجود تصدير حر أو استيراد حر من الجانب الفلسطينى. ويضيف د.سمارة أن الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى سواء على الجانب السياسى (اتفاقية اوسلو) أو الجانب الاقتصادى (اتفاقية باريس) تبقى على هذا الارتباط المقيد والمعرقل والذى يشمل ضريبة القيمة المضافة، التى هى محل شكوى حاليا، حيث يتضمن اتفاق باريس أن لا يزيد فارق قيمة الضريبة على 2\% بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، بمعنى أن هذه الضريبة إذا أقرت إسرائيل زيادتها، فلابد أن تفرض الزيادة على الجانب الفلسطينى أيضا. وأوضح د.سمارة أن القرار فى النهاية يتخذ من الجانب الإسرائيلى فحسب وغير قابل للتعديل من الجانب الفلسطينى بدون موافقة الإسرائيليين. وأشار د.سمارة إلى أن ظاهرة الغلاء منتشرة حاليا فى العديد من دول العالم، ولكن الحلول الاقتصادية تكون أسهل فى الدول المنتجة، وليس هذا هو الحال فى الأراضى الفلسطينية، فالدول المستقلة يكون لها الحرية فى بيع وشراء منتجاتها وتوفير دخل من حجم تجارتها الخارجية. وأوضح د.سمارة "أننا نعيش حاليا على حزم المساعدات، التى هى مرتبطة إلى حد كبير بتثبيت الموقف السياسى، والارتباط باتفاقيات مع الكيان الصهيونى الذى لا يلتزم من جانبه بأية اتفاقيات"، مشيرا إلى أن "المساعدات التى توجه للسلطة الفلسطينية، التى قدرت بحوالى 25 مليار دولار منذ عام 1993، تهدف إلى الدفع باتجاه التوصل إلى حلول سياسية، ولكننا نجد أنفسنا فى النهاية متورطين بشكل أكبر حيث تسيطر إسرائيل بالفعل على 68\% من أراضى الضفة الغربية". وأضاف سمارة "أنه لا يمكن بأى شكل من الأشكال الاستمرار فى الاعتماد المالى، ومن ثم الوظيفى وبالتالى المعيشى، على المساعدات من الخارج ولن يمكن السلطة من رفع الرواتب لأن مصدر المال ليس من جيبها ولكن من الخارج"، وأوضح أن كل هذه السياسات لجباية الضرائب تزيد من ثقل الأعباء الواقعة على كاهل الطبقات الشعبية وعلى المستهلك بشكل عام. وردا على سؤال حول إمكانية الحلول المتاحة فى الوقت الراهن، قال سمارة "ليس هناك من مدخل حقيقى لحل حقيقى للوضع الاقتصادى فى الأراضى الفلسطينية فى ظل استمرار الاحتلال والاعتماد المالى على الخارج وفى ظل تدهور الأوضاع بالمواقع الصناعية والزراعية وقلة الإنتاج واستمرار تراجعه"، وأشار إلى أنه ليس هناك من مصادر لموارد دخل جديدة تسد بها الحكومة العجز المالى لديها. وردا على سؤال حول المبادرات الاقتصادية التى طرحت خلال منتدى دافوس الاقتصادى الذى عقد مؤخرا بالأردن واحتمالية إحداث انفراجة فى الوضع الاقتصادى، أوضح د.سمارة "أنه من الممكن أن يحدث انفراجة ولكنها ستكون انفراجة مؤقتة مثلما حدث سابقا، ولكنها ستكون بمثابة "المسكنات التى يأخذها الشخص المريض"، ولكن يظل المرض كما هو وقد لا تنفع معه المسكنات فى وقت ما". واعتبر د.سمارة أنه يأمل فى البدء مرة أخرى باتخاذ خطوات جذرية فلسطينية نحو عمليات مقاومة للكيان الصهيونى من خلال حملات المقاطعة، موضحا أن السلطة الفلسطينية غير مؤهلة فى الوقت الراهن لاتخاذ هذه الخطوة سواء من الناحية المعنوية أو النواحى السياسية والاقتصادية. ولفت د.سمارة إلى أن الأقطاب العربية الثلاثة؛ العراق وسوريا ومصر، التى كانت تشكل دعما كبيرا للجانب الفلسطينى فى مفاوضاته مع إسرائيل، منخرطة حاليا فى صراعات داخلية، مما يضع الفلسطينيين فى مأزق كبير فى الوقت الراهن سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى، وقد تصل الأمور إلى حتى الاضطرار للدخول فى مفاوضات مع الجانب الإسرائيلى تحت وطأة الضغوط الأمريكية بدعوى تقديم مساعدات وطرح ما يسمى "بنافذة الفرصة الأخيرة" كما أسماها وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى خلال كلمته أمام منتدى دافوس لخروج الاقتصاد الفلسطينى من أزمته الطاحنة.