عاجل

ننشر النص الكامل لكلمة "مبارك" في قضية "القرن"

وجه الرئيس المخلوع ‏محمد حسني‬ مبارك، تحية إجلال وتقدير للقضاء، موضحا أنه منذ أن ترك موقعه رئيسا للجمهورية تعرض لحملات من الإساءة والتشكيك، وأنه تصدى أثناء حكمه لمحاولات تهديد أمن مصر القومي عبر الحدود، وحافظ على حرية الرأي والتعبير، وعمل على توسيع الديمقراطية وتعزيز مبدأ المواطنة، وحذر من خلط الدين بالسياسة، وأوصى مبارك المصريين بأن يحافظوا على وحدة الوطن، وأن ينتبهوا لما يحدق بالوطن من أخطار. قال مبارك، خلال مرافعته في قضية القرن،"تحية إجلال وتقدير للقضاء، وإنني أشكر المحكمة على إتاحة الفرصة كي أمارس حق يكفله القانون بأن أتحدث لهيئة المحكمة مدافعا عن نفسي، مضيفا إلى ما أبداه عني المحامي القدير فريد الديب، أتحدث إلى حضراتكم باقتناع أكيد بأن عجلة التاريخ لا ترجع أبدا للوراء، وأن أحدا لا يستطيع أن يزيف التاريخ، فالتاريخ يعي أخبار الرجال ويعطي كل ذي حق حقه، مهما كانت محاولة الطمس والتزييف، وفي نهاية المطاف لا يصح عن الله تعالى وعند التاريخ إلا الصحيح. منذ أن تركت موقعي كرئيس للجمهورية تعرض لحملات من الإساءة والتشكيك، وتعرضت عند تحملي للمسؤولية تنسب إلى كل رخيصة، وتبعد عني كل إنجاز، إنني أمثل أمام المحكمة الموقرة بعد أن أمضيت أكثر من 62 عاما في خدمة للوطن، بينها سنوات طويلة ابنا للقوات المسلحة، ثم نائبا ثم رئيسا للجمهورية، خضت كل حروب مصر بعد ثورة يوليو، وتوليت قيادة القوات الجوية في حرب أكتوبر 1973، لم أكن يوما ساعيا وراء منصب أو سلطة، وأؤكد أنني لم أكن يوما ساعيا ، وتعلمون حضراتكم الظروف العصيبة التي تحملت فيها مسؤولية الرئاسة، خلفا لرئيس اغتالته يد الإرهاب. واجهت منذ اليوم الأول تحديات الإرهاب، وتابعت استكمال انسحاب إسرائيل من سنياء عام 1982 ثم من طابا عام 1989 واستعدنا آخر شبر من أراضينا المحتلة، وأدرت العلاقات مع إسرائيل كمن يمشي على سلك مشدود دون أي تهاون، ورفضت زيارة إسرائيل طالما بقي الاحتلال، وظل موقفي متمسكا بأسس عملية السلام، مناهضا للانقسام بين الضفة وغزة، راعيا للمصالح الفلسطينية ، ولم أتردد لحظة في تقديم دعم مصر للمحاصرين في غزة، لكني تصديت لمحاولات تهديد أمن مصر القومي عبر حدودنا مع هذا القطاع، حافظت على السلام، ولم أقامر بأرواح المصريين في مغامرات غير محسوبة، وحرصت على تطوير القوات المسلحة عتادا وتسليحا وتدريبا، لتبقى درعا للوطن يحمي أرضه وشعبه وسيادته، ويحمي السلام. كان أمامي منذ اليوم الأول تحدي الإرهاب، وخضت مواجهة شرسة تمثل تلك التي نخوضها الآن، وانتصرت مصر في حربها مع الإرهاب في الثمانينات والتسعينات، وستنتصر بإذن الله بتضافر شعبنا وقيادته، كما أن علينا مواجهة تحدٍ آخر، هو إعادة بناء البنية الأساسية المتهالكة، والاقتصاد الذي أنهكته الحروب، مضينا في إصلاحات اقتصادية، ونجحنا في إسقاط ما يقرب من 27 مليار دولار من ديون مصر الخارجية، وأتحنا المناخ الجاذب للاستثمار. استهدفت سياساتنا فتح أبواب الرزق لملايين المصريين، وحقق اقتصادنا أعلى معدلات نمو في التاريخ وأعلى احتياطي للنقد الأجنبي، وواجهنا تلك التحديات، وتحققت لمصر وشعبها إنجازات عديدة، رغم الزيادة السكانية وما تشكله من ضغط على الموارد، والإحصاءات مسجلة وموثقة ومتاحة، لكن مجال الحديث عنها بالتفصيل ليس هنا أو الآن. ويشهد الله أننا لا أبالي بمحاولات البعض التشكيك في دوري بحرب أكتوبر، فقد قمت به مخلصا، ولا أبالي أيضا أن يمحى اسمي من على المؤسسات التعليمية أو الثقافية، فستظل باقية شاهدة ضمن شواهد عديدة باتساع أرض الوطن. سيادة المستشار رئيس المحكمة.. هيئة المحكمة الموقرة، لقد أقمت سياسة مصر الخارجية على الندية والتكافؤ، وسعيت لمصالح مصر أينما كانت وآمن مصر القومي على كافة أبعاده ومحاوره، فلم نكن يوما حليفا متهاونا في الحفاظ على السيادة المصرية، واستعدت علاقات مصر المقطوعة مع الدول العربية، واستعدت جامعة الدول العربية للقاهرة، وحافظت على مصر في علاقاتها العربية والإفريقية والأوروبية، ولم أقبل أبدا أي تدخل خارجي أي كانت الظروف في الشأن المصري، أو أي تواجد عسكري أبدا على أرضنا أو مساسا بشريان حياتنا نهر النيل. حافظت على حرية الرأي والتعبير وعملت على توسيع الديمقراطية وتعزيز مبدأ المواطنة، محذرا من خلط الدين بالسياسة، على نحو ما أتت به الأحداث عام 2012. وما حدث في يناير 2011، عندما اخترق المتاجرون بالدين والمتحالفون معهم من الداخل والخارج، المظاهرات السلمية، بأعمال عنف وقتل وترويع للشعب وتعدي على الممتلكات العامة والخاصة واقتحام السجون وإحراق أقسام الشرطة. ومنذ الأيام الأولى بادرت باتخاذ قرارات وإجراءات لمواجهة تداعياتهما وأصدرت تعليمات بنزول القوات المسلحة عصر 28 يناير لحفظ الأمن وتأمين البلاد بعد أن عجزت الشرطة عن القيام بدورها نظرا لما تعرضت له من المتآمرين على الوطن، وفي إطار استجابتي لمطالب المتظاهرين طرحت خطوات تضمن الانتقال السلمي للسلطة في إطار الدستور والقانون بحلول انتخابات الرئاسة في سبتمبر 2011 وأعلنتها في خطابي، فسعى من أرادوا الانقضاض على الدولة إلى تأجيج الأوضاع، وزعزعة ثقة الشعب في قيادات والقوات المسلحة. مع تفاقم الأحداث وأصبحت متأكدا من أن هدف هؤلاء هو إسقاط الدولة ومؤسساتها فاخترت طواعية أتخلى عن مسئوليتي كرئيس للجمهورية حقنا للدماء وحفاظا على تماسك الوطن كي لا تنزلق مصر إلى منزلقات خطرة تدفع بها للمجهول، اخترت بحس وطني خالص تسليم الأمانة للقوات المسلحة، ثقة في قدرتها على العبور بمصر وشعبها لبر الآمان وقد كان. وأقول بكل صدق أن ضميرنا الوطني يملي علينا جميعا إعادة قراءة الأحداث منذ 2011 في ضوء ما تداعت له التطورات وكشف المؤامرات العديدة كانت تتربص بمصر ولا تزال تسعى للانقضاض عليها. لم أتحدث اليوم عن عطائي لبلادي فسيظل لها الفضل علينا جميعا فهي الوطن والأهل والملاذ وأرض المحيا والممات، إلا إنني أدافع عن نفسي اليوم لمواجهة الاتهام، لا أدعي بنفسي الكمال، فالكمال لله وحده، فأنا بشر أصيب وأخطئ. تحملت بشرف وأمانة، وسوف يحكم التاريخ علي وعلى غيري بما لنا وما علينا، من المؤكد أن التوفيق لم يحالفني في بعض ما اتخذته من قرارات وهو شيء طبيعي، أو أن بعضها لم يرتق لتطلعات بني وطني، لكنني أشهد أمام الله أن كل قرار وسياسة انتهجتها إنما ابتغيت صالح الوطن، وأقول مخلصا إن ما تعرضت له من اتهام وإيذاء، لا أزال شديد الاعتزاز بخدمة بلادي وبني وطني من أيدني منهم ومن عارضني على حد سواء. إن محمد حسني مبارك الذي يتحدث اليوم أمامكم، لم يكن ليأمر أبدا بقتل المتظاهرين وإراقة دماء المصريين، وهو الذي أفنى عمره في الدفاع عن مصر وأبنائها، وأقول أمام الله وأمام الشعب أنني قضيت حياتي مقاتلا، هكذا كان تعليمي وتدريبي وتلك كانت عقيدتي منذ تخرجي في سلاح الطيران، ولم أكن لآمر أبدا بقتل مصري واحد تحت أي ظروف. لم يكن لي أيضا أن أصدر قرارا بإشاعة الفوضى، وقد حذرت منها، ولم أكن لأصدر قرارا بإحداث فراغ أمني، فيعلم الجميع أنني حافظت على استقرار مصر وأمنها الوطني، ولم يكن من الحقيقة أبدا أن أتهم بالفساد المال والإضرار بالمال العام، فلا شرف عسكري ولا أمانة يسمحان لي بذلك. إنني كابن من أبناء القوات المسلحة كنت وسوف أظل حريصا على الشرف العسكري حتى الرمق الأخير ولن أفرط، وإنني كابن من أبناء مصر سأظل ما حييت أحافظ على أبناء مصر، وأثق أن مصر لن تنسى من عملوا وسهروا من أجلها، وضحوا بأرواحهم ولا يزالون، من رجال القوات المسلحة والشرطة. إنني أثق في عدالة المحكمة وحكمها وسأتقبله بنفس راضية، الحكم العدل هو حكم التاريخ، وثقتي بلا حدود أن مصر ستستعيد عافيتها وستواصل بناء نهضتها من جديد بقيادتها المخلصة وبعزة ورفعة وكرامة. لعل حديثي أمامكم اليوم هو آخر ما أتحدث به حتى ينتهي العمر، وإنني وإذ اقترب العمر من نهايته مرتاح الضمير أن قضيته مدافعا عن مصر ومصالحها وأبنائها حربا وسلاما، وإنني بخبرة السنين أقول لكل مصري ومصرية حافظوا على وحدة الوطن، وانتبهوا لما يحدق بالوطن من أخطار وما يحاك له من مخططات ومؤامرات، ومصر أمانة أحملوا رايتها واحفظوها وامضوا بها إلى الأمام، حمى الله مصر ورعاها، وحمى شعبها ، وأشكركم سيادة الرئيس".

خبر في صورة